مقابلات ومقالات

  • شارك:

حوكمة الخصخصة


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2021/07/12

 

محمد شريف أبو ميسم

تجارب الانتقال بالدولة من الاقتصاد الشمولي إلى اقتصاد السوق، التي أفرزتها مرحلة ما بعد الحرب الباردة، أثبتت لكل المراقبين في العالم، أن التحول غير المنضبط يفضي إلى كثير من الفساد، في حين يكون تشريع القوانين الخاصة بنقل ملكية القطاع العام إلى القطاع الخاص غاية في الأهمية بهدف تحديد ملامح شكل التحول بشفافية وغلق منافذ ولوج الفساد والاستئثار بالمال العام.
وعلى هذا فإن آليات تنفيذ الخصخصة أحوج ما تكون لمعايير الإدارة الرشيدة أو ما يسمى بالحوكمة، وبخلاف ذلك فإن الغموض سيكون بديلا عن معيار الشفافية، والصمت والتعتيم سيكونان بديلين عن الإفصاح، والتجاهل والفوقية يحلان محل الاستجابة لمطالب الناس، وتغليب المصالح الفردية والفئوية سيكونان عوضا عن معيار العدالة، والاستقواء والمحاباة سيكونان بديلا عن معيار المساءلة، واللا أبالية ستحل محل معيار المسؤولية في اتخاذ القرارات وإدارة شؤون أموال العامة من الناس، وتتكرس الفئوية في محل الإنصاف والشمول، في حين ستكون الطبقات الفقيرة بعيدة عن لعبة الخصخصة.
وقد آلت الأموال العامة في تجارب العديد من الدول التي عاشت النظم الشمولية ثم انتقلت نحو التعددية واقتصاد السوق، إلى ذوي النفوذ والمتصدرين لحالة التزاحم السياسي على مواقع السلطة أو أتباعهم خلال مرحلة التكيف بدعوى الإصلاحات الاقتصادية، متخذين من الخصخصة أداة لتغيير هيكل الاقتصاد الكلي، وهو يشهد حالة الإرباك جراء تقاطع العمل بين الموروث عن الدولة الشمولية وجديد ملامح السوق، ما جعل العامة من الناس يستيقظون على نظام اقتصادي يقوده رأس المال الخاص، وتحل فيه سلطة المال محل سلطة الدولة على حين غرة، بدعوى الإصلاح الاقتصادي الذي يكرس وجود ما يسمى بطبقة «الكومبرادورية» التي تنشأ جراء هذا التحول، من طبقة الطفيليين، لتلبس رداء البرجوازية، ثم سرعان ما تتحالف مع رأس المال الأجنبي تحقيقا لمصالحها والاستيلاء على السوق الوطنية.
من هذا المنطلق يكون القبول ببيانات الجهات التي تطالها أقاويل الخصخصة، وبخلافه فإن نفيا هنا، ونفيا هناك لا يستبدل نية الخصخصة من دون قوانين تضبطها معايير الحوكمة، حتى وإن رفع فوقها يافطة الاستثمار، والفرق شاسع بين الاستثمار الذي يستهدف إضافة طاقات إنتاجية جديدة من أجل رفع معدلات التنمية، وبين الخصخصة التي يحف بها الغموض والتجاهل والمصالح الفردية والفئوية، وينقصها الإنصاف والشمول.

 

جريدة الصباح

جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP