جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2021/10/15
يبدو أن هناك توجهاً عالمياً لدى كبرى البنوك المركزية بالتحول التدريجي تجاه سياسة التشديد النقدي، مما يعني عملياً انتهاء عصر الأموال الرخيصة، وهنا يمكن ملاحظة الإشارات القادمة من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا والتي تفيد بتحركهما باتجاه سياسة التشديد النقدي، كما يمكن النظر بتمعن إلى سلوك أربعة بنوك مركزية في الاقتصادات الناشئة، هي باكستان، وهنغاريا، وباراجواي، والبرازيل، والتي قامت برفع سعر الاقتراض، أما البنك المركزي النرويجي، المعروف بسياسته الكلاسيكية المتحفظة، فرفع الفائدة ربع نقطة مئوية، فيما تعد أول زيادة من نوعها في أي اقتصاد متقدم منذ تفشي الجائحة.
رغم أن كبار حراس السياسة النقدية مقتنعون بقوة الانتعاش الاقتصادي، إلا أنهم يشعرون بالقلق من أن بقاء المال رخيصاً لفترات طويلة يهدد بشيوع الاقتراض المفرط، وتعميق مستويات التضخم، ومع هذا فإن البدء بتطبيع السياسة النقدية بشكل تدريجي، يسمح بمقاومة حالات انعدام التوازن المالي مثل ارتفاع ديون الأسر وأسعار المنازل، والحقيقة أنه لا يمكن إعادة الاقتصادات ببساطة إلى ما كانت عليه من قبل إلا مع زيادة الديون و ارتفاع الأسعار.
لا تستطيع البنوك المركزية التعامل مع الزيادات السعرية المستمرة بعناد في طريق التعافي الاقتصادي، وإذا كان وضع التشغيل النموذجي الخاص بهذه البنوك يتمثل في فهمها المتوقع لمستويات التوظيف والإنتاج، فإنها تدير مستويات الإنفاق وفقاً لذلك، بحيث يظل التضخم منخفضاً ومستقراً بمعدل 2 في المائة، ومع ذلك، فإن ارتفاع أسعار الطاقة وتعطل سلاسل الإمدادات، يصعب مهمة السيطرة على الإنفاق المطلوب في الاقتصادات التي لا يزال كورونا يغزوها، لذلك تحدد البنوك المركزية أسعار الفائدة مع تخمين مستويات العرض والطلب.
إذا دققنا أكثر في المواقف، سنجد أن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في الولايات المتحدة تعتبر أن استمرارية التضخم سيؤدي إلى تغذية دوامة ارتفاع الأجور، ولهذا تسرع قليلاً التراجع عن التسهيلات الخرافية السابقة، أما بنك إنجلترا فيتوقع ارتفاعاً حاداً في الأسعار ونمواً مخيباً للآمال، وبالتالي بقاء التضخم لفترة أطول في معظم عام 2022، ومن المنتظر رفع أسعار الفائدة البريطانية في فبراير، مع احتمال ضئيل أن يتم تقديم ذلك إلى نوفمبر.
في المقابل، تعاني اقتصادات منطقة اليورو مشكلة عميقة الجذور تتمثل في انخفاض التضخم وزيادة عدد العاطلين عن العمل بمقدار مليون شخص عما قبل الجائحة، وإذا كان البنك المركزي الأوروبي يعتقد أن التضخم مؤقت، فإن حالة الاطمئنان الأوروبية هذه لا تتوافق تماماً مع مخاطر الضغوط المستمرة على أسعار السلع والخدمات، خاصة أن القفزة الأخيرة المدفوعة جزئياً بارتفاع تكاليف الطاقة، تغذي زيادة الأجور، ولا شك أن الاقتصادات الكبرى ستبقى تحت الضغط لقياس مدى قدرتها على السيطرة على مستويات التضخم الراهنة.
invest- دكتور خالد رمضان