تقارير وبحوث

  • شارك:

في هذا القرن كان الظهور الحقيقي للصيرفة الإسلامية!! المزيد في التقرير التالي


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2022/03/22

 

في دراسة قيّمة للباحثة الاقتصادية الدكتورة نوال عبد المنعم حول ( تطور التمويل الإسلامي إقليمياً وعالمياً) نشرتها في « الاقتصاد الاسلامي « ..قالت فيها :

لقد حقق التمويل الإسلامي نجاحاً وانتشاراً كبيراً على المستويين الاقليمي والعالمي منذ بدايته عام 1975 وحتى الآن، وذلك من خلال عدة قطاعات أصبحت محل اهتمام المنظمات والهيئات الإسلامية والاقتصادية العالمية، وأصبح له تواجد وأهمية كبيرة في جميع دول العالم سواء النامي أو المتقدم. وبمقارنة معدل نمو التمويل الإسلامي من عام إلى عام يتضح مدى تقدمه، وبتحليل أرقامه وقت الأزمات يتضح مدى صموده وصلابته، وهذا ما يتضح بجلاء عندما نعرف أنه على الرغم من الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا على كافة المجالات الاقتصادية، والتي طالت بالطبع صناعة التمويل الإسلامي، إلا أنه مازال يسير بخطى ثابتة تثبت مدى قوته في مواجهة الأزمات.

* أولا: أرقام وإحصاءات :

فقد بلغت أصول التمويل الإسلامي بنهاية عام 2020م، حوالي 2,7 تريليون دولار أمريكي، بمعدل نمو بلغ 10%، كما حقق التمويل الإسلامي في العامين اللذين سبقا جائحة كورونا نمواً قوياً؛ حيث بلغ حجم أصول التمويل الإسلامي 2,44 تريليون دولار في عام 2019، بمعدل نمو 11,4%، وفي العام الذي سبقه بلغت أصول التمويل الإسلامي 2,19 تريليون دولار، وبمعدل نمو 9,8? على أساس سنوي.

كما حقق التمويل الإسلامي خلال ما يقرب من خمسة عقود، هي مدة تواجده على الساحة الاقتصادية، نمواً سنوياً تراوح بين 15-20%، وبلغ أكثر من 2% من حجم القطاع المالي العالمي.

ويحوز قطاع المصارف الإسلامية الحصة الأكبر من إجمالي أصول التمويل الإسلامي، ويليها في الأهمية والترتيب قطاع الصكوك، والذي يحوز اهتمام كافة الدوائر الاقتصادية وكذلك دول العالم أجمع من خلال قطبيه؛ الصكوك السيادية وصكوك الشركات، ومن المعروف أن هذا القطاع له دور كبير في تنمية ونهضة كثير من الاقتصادات العالمية، كما سيأتي فيما بعد، ثم قطاع صناديق الاستثمار الإسلامية من حيث الأهمية وحجم الأصول، ثم يأتي قطاع التأمين التكافلي ليكمل منظومة الأضلاع الكبرى للصناعة المالية الإسلامية.

وسوف نتعرف على مساهمة كل قطاع من هذه القطاعات ومعدلات نموه، وذلك في حدود ما أتيح من إحصاءات وبيانات، والتي غطت حتى نهاية عام 2019 بشكل كبير، ولم تتح بشكل كلي عن عام 2020-2021، كما نتعرف على تطور التمويل الإسلامي ومدى انتشاره إقليمياً وعالمياً، كما نعرض كيف استطاع التمويل الإسلامي التعامل بإيجابية ومرونة كبيرة في مواجهة أصعب التحديات الاقتصادية العالمية، وأشهرها الأزمة المالية العالمية عام 2008، وحالياً يواجه جائحة كورونا (كوفيد-19)، والتي حقق خلالها أداءً جيداً واستطاع الصمود بصلابة أكثر وضرر أقل شهدت بها كافة الدوائر الاقتصادية العالمية.

نشأة وتطورظهورالتمويل الإسلامي :

أولاً، النشأة: رغم حداثة ظهور مصطلح التمويل الإسلامي في حياتنا المعاصرة، إلا أن جذوره تمتد إلى أكثر من 1400 سنة، حيث مارس الرسول – صلى الله عليه وسلم – ومِنْ بعده الصحابة ومَنْ بعدهم، صورًا متعددة لمعاملات مالية تدخل في إطار المصرفية والتمويل الإسلامي، ومن هذه الصور ما يلي:

1- منذ العام الهجرى الأول أقام الرسول – صلى الله عليه وسلم – سوقًا للمسلمين بالمدينة المنورة ، ووضع له الضوابط التي تكفل القضاء على كافة الأشكال والممارسات الاحتكارية، والقضاء على الغش والغبن في المعاملات، كما كفل تساوى الفرص أمام الجميع .. مشترين وبائعين، كما قضى على كل أشكال المعاملات الربوية بأنواعها، وأرسى دعائم المشاركة بين العمل ورأس المال، وجمع الزكاة ووزعها على الفئات المستحقة وفق مصارف الزكاة التي وردت بالقرآن الكريم، كما حمى – صلى الله عليه وسلم- أرضًا لأغراض مالية ودفاعية، وأقطع أراض لمن يريد أن يستصلحها، وأرسى مبدأ تملُّك الأرض الموات بالإحياء ونظم استخدام الموارد المائية، وشجع صلى الله عليه وسلم على الزراعة والصناعات البسيطة التي تلائم البيئة وأهمها صناعة السلاح ، بل لم يذكر أنه وضع حدودًا على ممارسة النساء حقهن في تنمية ثرواتهن، سواء بالعمل بالتجارة أو بغيرها، كما وضع قواعد حرية الأسواق والأسعار مادامت تمارَس وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، وغيرها الكثير من القواعد التي أسست لفكر الاقتصاد الإسلامي.

كما رسخ – صلى الله عليه وسلم- مفهوم العدل واحترام الملكية الفردية وحرية الأسواق وما يجرى فيها من معاملات وأسعار مادامت في إطار الشريعة الإسلامية .

2- كان المغيرة بن شعبة والحصين بن نمير يكتبان المداينات والمعاملات للنبي.

3- أنشأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المال، وطبيعة بيت المال أنه مؤسسة مالية مصرفية، كما عرفت الأدوات المالية غير النقود، كالسفتجة ( تعني: أن أحدهم يقرض آخر مالًا في مكان، ليوفيه المقترض أو نائبه في مكان آخر) ، والصك، والبراءة، والمقاصة، والرقاع (الحوالة)، وكان الزبير بن العوام رضي الله عنه يتلقى الأموال على سبيل الوديعة، كما عرف المسلمون التحويلات الداخلية والخارجية، فكان ابن عباس رضي الله عنه يأخذ الدراهم في مكة على أن يكتب بها إلى الكوفة، ونفس الشيء كان عبدالله بن الزبير يأخذ الدراهم بمكة ويكتب إلى أخيه مصعب بن الزبير بالعراق فيأخذونها منه، كما عرف المسلمون أوامر الدفع واستخدموها، وقصة سيف الدولة الحمداني، أمير حلب، مشهورة، والتي تؤكد استخدام أوامر الدفع لتأدية المدفوعات بدلًا من الدفع النقدي، كما استخدم المسلمون الصكوك، ومثالها: صكوك مروان بن الحكم والتي كانت تدفع للجنود مقابل رواتبهم.

3- في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان تم إصدار الدينار الإسلامى، وحصر صك العملة وإصدار النقود بالدول الإسلامية، وألغى التعامل بعملة الروم البيزنطيين، واستمر استخدام الدينار الإسلامي إلى أن انهارت الخلافة في بداية القرن العشرين.

كما عرف المسلمون التعامل المالي والاستثماري من خلال صيغ مختلفة؛ كالمضاربة والمشاركة والسلم والمزارعة والمساقاة ..وغيرها.

ثانيًا: تطور ظهور التمويل الإسلامي:

ترجع بداية ظهور مصطلح التمويل حديثًا إلى عقد العشرينيات من القرن الماضي، حيث صاحب التقدم العلمي والتكنولوجي الكبير الذي ظهر في هذا الوقت احتياج المشروعات إلى الأموال، وأصبح الاهتمام مرتكزًا على كيفية الحصول عليها، ومن هنا جاءت التسمية، وكان ظهور مصطلح التمويل (finance) محصورًا في وسائل التمويل الخارجي مثل الأسهم والسندات، وحين ظهرت فترة الكساد العظيم في الثلاثينيات من القرن العشرين اتجه معنى التمويل إلى دراسة السيولة، والتحليل، والفشل المالي، وإعادة التنظيم المالي .

في الستينيات ظهرت عدة تجارب تمثل أولى بوادر تطبيقية لفكر التمويل الإسلامي، والبداية كانت في مصر عام 1963م، عندما قام الدكتور أحمد النجار بإنشاء (بنوك الادخار المحلية), ورغم أن هذه التجربة حققت نجاحًا مذهلًا؛ إذ بلغ عدد فروعها في السنوات الأربع التي عملت فيها تسعة فروع كبيرة, وما يزيد عن العشرين فرعًا صغيرًا، وتعدى عدد عملائها المليون، إلا أنها وئدت لأسباب سياسية ، ويرى البعض أن بنوك الادخار المحلية تمثل ميلادًا للمصرفية الإسلامية من الناحية التطبيقية؛ ولذلك قيل: إن المصرفية الإسلامية بدأت الممارسة العملية قبل التنظير لها.

كما شهد عقد الستينيات أيضًا خطوة أخرى في طريق التطبيق العملي لفكر التمويل الإسلامي، وذلك بإنشاء صندوق ادخار الحج بماليزيا، وفكرته قائمة على ادخار أموال الماليزيين الراغبين في الحج وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية، ثم تطورت الفكرة بتفعيل دوره الاستثماري من خلال القيام بالآتي:

الادخــار: وهو تجميع مدخرات المشتركين وفتح حسابات ادخار لهم.

الاستثمـار: توظيف أموال الصندوق في استثمارات ومشروعات تجارية، حيث يملك الصندوق شركات تعمل في مجالات الإنشاءات، وخدمات السفر والسياحة والزراعة والنقل والمواصلات وتنمية العقارات والمباني السكنية.

الخدمات: خدمة الحجاج الماليزيين أثناء فترة الحج, وتشمل توفير أماكن الإقامة والسكن والمواصلات، وتقديم الإعانة والرعاية الصحية.

وعلى الرغم مما شهدته فترة الستينيات من تجارب ناجحة، وإن كانت محدودة، في تطبيق التمويل الإسلامى فعليًا، إلا أن الظهور الحقيقي للتمويل الإسلامي حديثًا، سواء في الفكر

أو التطبيق، كان في مرحلة السبعينيات من القرن العشرين، حيث ظهرت أبعاد جديدة لمفهوم التمويل؛ إذ ظهر الاهتمام بحساب التكلفة الاجتماعية، والعائد الاجتماعي للاستثمارات العامة، وكذلك الاهتمام بدراسة عمليات التمويل بالمشاركة بوصفه بديلًا عن عمليات التمويل بالإقراض بفائدة، وكان ذلك هو بداية ظهور المصارف الإسلامية ، حيث تم إنشاء بنك ناصر الاجتماعى بمصر عام 1971م، والذي نص في لائحة تأسيسه على أنه أنشئ بغرض تحقيق التكافل الاجتماعي، وأنه لا يتعامل بالفائدة أخذًا أو عطاءً.

*ثالثاً : الانتشار دولياً وعالمياً:

الاهتمام الحقيقي بالتمويل الإسلامي بدأ مع تأسيس البنك الإسلامى للتنمية عام 1974م، والذي باشر أعماله فعليًا بمدينة جدة اعتبارًا من عام 1977م، وتميز بأنه مصرف حكومات لا يتعامل مع الأفراد، ثم أنشئ بنك دبى الإسلامي عام 1975م، في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وفي عام 1977م تم إنشاء بنك فيصل الإسلامي السوداني، وفي نفس العام تم إنشاء الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية بمكة المكرمة، بهدف دعم الروابط وتحقيق التعاون بين المصارف الإسلامية والتنسيق بين أنشطتها، وتوحيد أساليب عملها وممارساتها؛ وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، ثم توالى إنشاء البنوك الإسلامية حتى تخطت البلاد العربية والإسلامية إلى كل البلدان الغربية.

ففي أغسطس عام 2004م تم إنشاء البنك الإسلامي في بريطانيا كأول بنك إسلامي مرخص له في دولة غير إسلامية، كما أخذت البنوك الإسلامية في الانتشار في كافة الدول الغربية كأمريكا وفرنسا وألمانيا وهولندا وإيطاليا وسويسرا وروسيا واليابان والهند.. وغيرها، كما افتتحت بنوك مثل: إتش.إس.بي.سي، وسيتى بنك فروعًا إسلامية في الشرق الأوسط، وتجدر الإشارة إلى أن حجم أصول أحد الفروع الدولية لبنك HSBC المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ((HSBC Amanah بلغ 16,7 بليون دولار عام 2012م، كما أفادت مؤسسة «ذا بانكر» في تقريرها السنوى لأفضل 500 مؤسسة مالية إسلامية عالميًّا احتلال مصرف الراجحي المركز الأول عام 2013م .

كما تم إطلاق مؤشرات داو جونز الإسلامية في العديد من الأسواق المالية العربية والعالمية ،وقد أصبح التمويل الإسلامي علمًا بذاته يدرس في الجامعات والمراكز العلمية العالمية المرموقة مثل: جامعة «هارفارد» في الولايات المتحدة، وكلية لندن للاقتصاد، وجامعة بانقور، ودورهام، ولافبرا في بريطانيا، وهناك أيضًا معهد المصرفية الإسلامية والتأمين في لندن IIBI، كما يوجد برنامج للماجستير في المالية الإسلامية في جامعة باريس دوفين في فرنسا، وجامعة لاتروب في أستراليا(18).

كما أنشئت المؤسسات والمجالس والهيئات المسؤولة عن إنتاج معايير المنتجات المالية الإسلامية وتحديدها، مثل: هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI)) بالبحرين، ومجلس الخدمات المالية الإسلامية (IFSB) بماليزيا ..وغيرها، ويعد اعتراف السلطات المالية العالمية والجهات المنظمة، مثل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وسلطات الخدمات المالية في انجلترا، ومؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بهذه المؤسسات والمجالس اعترافًا بالتمويل الإسلامي وتعزيزًا لمصداقيته أمام المنظمين والعملاء على السواء.

على مستوى التشريعات، أنشأت انجلترا إدارة للبنوك الإسلامية في البنك المركزي، وسَنّت العديد من القوانين والتشريعات التي تقنن الخدمات التي تتفق مع أحكام الشريعة، وسعت إلى الترويج للندن كمركز عالمي للتمويل الإسلامي، كما قامت فرنسا بالإعلان عن مبادرة تطوير النظام المالي الإسلامي، عبارة عن حزمة من الإجراءات التشريعية في مجال النظام الضريبي الخاص بآليات التمويل والاستثمار الإسلامي من مرابحة وصكوك وغيرها، وتهدف هذه الإجراءات أساسًا إلى إلغاء الازدواج الضريبي لهذه الأدوات التمويلية على غرار ما قامت به بريطانيا، وتشجيع المصارف الإسلامية وغيرها على التعامل بهذه الآليات في السوق الفرنسية، كما قامت بإدراج الأدوات الإسلامية مثل الصكوك في بورصة باريس، والمرابحة ضمن القانون التجاري لتأخذ صفة العمليات المصرفية الكاملة، وبهذا تكون فرنسا قد اتخذت كامل الإجراءات التنظيمية والقانونية التي تسمح بنشاط المصارف الإسلامية وتقديم المنتجات المصرفية الإسلامية.

وفي ألمانيا بدأ الاهتمام بإدخال التمويل الإسلامي إلى ميدان الحياة الاقتصادية بإنشاء بنك إسلامي كامل في مدينة فرانكفورت، كما طرحت روسيا أمام البرلمان مشروع قانون يسمح للبنوك التجارية بممارسة العمل المصرفي الإسلامي.

كما قامت العديد من الدول الإسلامية بسن القوانين والتشريعات التي تتيح الفرصة لنظام التمويل الإسلامي لأداء دوره في كافة القطاعات، ومنها قطاع المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، وفي إندونيسيا تم إصدار قانون المصرفية الإسلامية في عام 2008م، والذي نظم النظام المصرفي الإسلامي بشكل تام، وطبقت من خلاله صيغ المضاربة والمشاركة في تعاملاتها، والتي تمثل 17,88% و 29,66% على التوالي من أدوات التمويل الإسلامية المطبقة في إندونيسيا، أي تمثل معًا ما يقرب من 48%.

 

الدستور

جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP