جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2022/07/20
ستيفاني شيرلي*
قبل 21 عاما، نشرت “فاينانشيال تايمز” تقريرا عن افتتاح معهد أكسفورد للإنترنت، قسم تم إنشاؤه للبحث في الفرص والتحديات التي تطرحها شبكة الإنترنت التي بدأت الازدهار آنذاك. تعمق مقال مصاحب في الصفحة نفسها في أحد أكثر الأسئلة إلحاحا حينها: كيف يمكننا “سد الفجوة الرقمية” والتأكد من وصول الجميع إلى ثروة المعلومات والموارد المتاحة على الإنترنت.
بعد جيل من ذلك الوقت، لا تزال المشكلات ملحة بالقدر نفسه وأكثر تعقيدا بشكل كبير. في 2001 كان هناك 500 ألف مستخدم للإنترنت على مستوى العالم، أما في 2021، فكان هناك خمسة مليارات مستخدم. ترتبط التكنولوجيا الرقمية بشكل وثيق بكل ما نقوم به، من السياسة والأنظمة المالية إلى وظائفنا وحيواتنا الاجتماعية وتعليمنا بشكل متزايد منذ الجائحة. يأتي كثير من معلوماتنا عن العالم عبر الإنترنت.
لا تزال هناك فجوة رقمية رغم أن طريقتنا في تعريفها قد تغيرت. للأسف، ما زال كثيرون محرومين من المشاركة الكاملة في العالم الرقمي بسبب العمر أو الفقر أو الافتقار للتعليم. لكن الفجوة الأكثر إثارة للقلق اليوم هي بين أصحاب الثروات من الشركات والمؤسسات الذين يفرضون شروط التجربة عبر الإنترنت بقوتهم وتأثيرهم غير العاديين ومفتقريها، مستخدمي الإنترنت اليوميين الذين يتنقلون في عالم رقمي حيث قد يكون من الصعب معرفة بمن وماذا تثق.
لقد وضعنا اعتمادنا على التكنولوجيا الرقمية في أيدي مبتكرين تكنولوجيين أقوياء والشركات الضخمة التي أسسوها. إنهم مدفوعون تجاريا وجيوبهم ممتلئة ولديهم معرفة تكنولوجية هائلة. أيضا يملكون القدرة على التأثير في حياتنا اليومية بطرق لا يفهمها سوى قليل، ويظلون في أغلب الأحيان دون منازع نتيجة لذلك.
أكد حدثان أخيران الحاجة إلى تحليل شفاف ودراسة مستقلة: جائحة كوفيد والحرب في أوكرانيا، حيث لعبت المعلومات المضللة دورا مهما في كل منهما. أثرت المعلومات المضللة في مفهومنا لأصول كوفيد – 19، وأعاقت الاستجابات الحكومية لا سيما في الأيام الأولى، وسيست تدابير السلامة العامة، بما في ذلك أوامر البقاء في المنزل وارتداء الكمامات وأخذ اللقاحات.
الحرب مثل كثير من النزاعات التي سبقتها، تم خوضها عبر الدعاية بقدر ما تم خوضها على ساحة المعركة. لكن مع التكنولوجيا الرقمية، يصبح من السهل إخفاء مصدر الدعاية في حين يمكن أن تنتشر المعلومات نفسها بسهولة أكبر. مكن التقدم التكنولوجي من إنشاء محتوى زائف عميق مبهر ظاهريا، مثل مقطع الفيديو الذي تم فيه تركيب رأس الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على جسد شخص آخر وجعله يبدو كأنه يأمر الجنود الأوكرانيين بالاستسلام.
الإنترنت متلون وآثاره متنوعة وتأثيره عميق. إذا أردنا بطريقة ما تحديد قواعد عالمية لمشاركتنا فيه والاتفاق عليها، نظام لإدارة المعلومات حيث يمكن لجميع اللاعبين الاشتراك فيه، يمكن أن يحدث ذلك فقط على أساس دراسة تفصيلية ونقدية.
لكن من الذي يمكننا الوثوق به لإرشادنا عبر حقل الألغام هذا؟
تكافح المؤسسات الإخبارية التقليدية للتنافس مع مجموعات المصالح الخاصة الممولة تمويلا جيدا التي تنشئ مواقع إلكترونية وتوظف مؤثرين للترويج لأجندتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. منذ جيل مضى، كان لدى كثيرين في وسائل الإعلام الموارد اللازمة للتدقيق والفحص للتفريق بشكل فعال بين الحقيقة والخيال كجزء من مهمتهم المتمثلة في تقديم الأخبار الصحيحة. الآن، يركز معظمهم على البقاء.
على الأرجح لا يمكن الوثوق في شركات التكنولوجيا أيضا. “تويتر” و”ميتا” والشركات المنافسة لهما مدفوعون تجاريا: حيث تريد هذه الشركات اهتماما كاملا على مواقعها على الويب، وإعلانات لدعم نماذج أعمالها. إنها صانعة منتجات ومقدمة محتوى. لم تدخل المجال لتكون حكما على الحقيقة.
ربما ليس صناع السياسة أيضا. معظم السياسيين مشتتون بباسطة بسبب الفوارق الدقيقة والتعقيد في التكنولوجيا في عصر المعلومات ويفتقرون إلى الوقت والمهارات اللازمة لفهمها.
هذا يترك الأوساط الأكاديمية والمؤسسات مثل معهد أكسفورد للإنترنت ليقوم بدور الصوت المحايد في هذا النقاش.
اليوم بصفتنا مستهلكين للمعلومات يتعين علينا جميعا أن نتعامل مع الأخبار المزيفة، والتأثير الزائف والسؤال عن مكان العثور على الحقيقة. إن تصفية جميع الضوضاء عبر الإنترنت والمعلومات التي لا نجدها ذات مصداقية قدر الإمكان، والبحث عن مصادر موثوقة هي تحديات يومية. رغم جميع المعلومات الموجودة في متناول أيدينا، ما زلنا نكافح لفهم تأثير التكنولوجيا الرقمية في المجتمع وإدارته.
*رائدة في مجال التكنولوجيا وناشطة في الأعمال الخيرية وممولة مؤسسة لمعهد أكسفورد للإنترنت
الاقتصادية