جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2022/09/04
أسامة الشوخي*
هذه العملات الرقمية رغـم غمـوض ظهورهـا وانتشارها بشكل تدريجـي عـلى مـدى العقد الماضي صبحت اليـوم تغزو شبكة الإنترنت كوسيلة للتعامل النقـدي وتنفيذ التحويلات المالية ودفع قيمـة الأشياء والمشتريات بها ولكـن ضـمـن إطـار شـبكة الإنترنت، وبمسميات مختلفة " بيتكوين، إيثر.
تيـذر، دو جكوين، كوردانـو أسـماء لم تكـن حـتـى في الخيالات العلمية ولم يكن لهـا وجـود حتـى حـل العام 2008 فكانت انطلاقة هذه العملات الرقمية التـي ظهـرت بالمئات وأصبـح لهـا أتباع ومهتمون ومتعاملون بها رغم تقلبات قيمتهـا الحـادة، فأثـرت وأربكت النظـام المـالي وغيرت وسيلة المدفوعـات والتحويلات حـول العـالم.
الشخص العادي قد لا يلمس وجود هذه العملات الرقميـة عـلى أرض الواقع إلى حـد مـا، ولا يخلـو الأمـر مـن بعـض الاستثناءات، ولا يمكننا استخدامها وبالطبع لا يخلو الأمـر مـن بعـض الاستثناءات، ولا يمكن استخدامها في أغلب المتاجـر والمحـلات لأن وضعهـا القـانـوني أصبح يختلـف مـن دولـة إلى الأخرى نظراً لزيادة مخاوف تلـك الـدول مـن أن تصبـح العملات الرقمية وسيلة لغسل الأموال أو تستخدم لتسهيل بيع السلع المحرمة أو غير المشروعـة نظـراً لكونها عملات مشفرة ولا تكشف إلا عن معلومات أو هوية مستخدميها أو بيانات المعاملـة التـي تـمـت بها.
وتعتبر عملة البيتكويـن هـي أول عملة مشفرة من نوعهـا وجـوداً في العالم منذ 2008، حيث تجاوزت القيمة الاسمية لجميع البيتكوينات الموجودة في العـالم حاليـا مـا قيمته 167 مليار دولار.
مستخدمو العملات الرقمية
العملات الرقمية.. أصبح يستخدمها الآن الكثير مـن النـاس حـول العـالم، وتعتبر الهند الدولة الأكبر من حيث عدد المستخدمين للعملات الرقمية على المستوى العالمي بأكثر من 100 مليون مستخدم، تليهـا الولايات المتحدة الأمريكية بعدد 27 مليـون مستخدم، ثـم روسيا بـ 17 مليون مستخدم، ثـم نيجيريا 13 مليون مستخدم وآخرها البرازيل بـ 10ملايين مستخدم.
أمـا على مستوى الوطن العربي فتـأتـي مـصـر في المرتبة الأولى من حيث عدد المستخدمين للعمـلات الرقمية ب 1.7 مليون مستخدم يليها دولة المغرب بالمرتبة الثانية بـ 878.1 ألف مستخدم، والسعودية في المرتبة الثالثة بـ 452.7 ألف مستخدم، يليهـا العراق بـ 375.7 مستخدم، ثم اليمـن بـ 278.3 ألف في المرتبة الخامسة، ويمثـل ذلـك بالنسبة لليمـن ميزة بارزة بالرغـم مـن ظـروف الحصار والحـرب، ويؤهلها لأن تحتل مستويات عاليـة خلال السنوات القادمة.
مميزات العملات الرقمية
يرجع ارتفاع مستخدمي العملات الرقمية والإقبال عليهـا يـومـا بعـد يـوم إلى عـدد مـن المميزات التـي تمتاز بهـا ومنها :
- أنهـا لامركزية : عملات مشفرة ليس لديهـا جهاز كمبيوتر مركزي أو خادم ويتم توزيعهـا عـادة عبر شبكة من الآلاف من أجهزة الكمبيوتر وتسمى الشبكات بدون خادم مركزي الشبكات اللامركزية.
- أنهـا مشـفـرة : كل مستخدم لديـه رمـوز خاصـة تمنع الوصول إلى المعلومات الخاصـة بـه مـن قبـل المستخدمين الآخرين، وهـو تشفير كامـل مـن الصعـب اختراقـه.
- الخصوصية والأمـان : سجلات شبكة بلوك تشين (blockchain) تستند في بنائها إلى خوارزميات تشفير مختلفة يصعب فكها أو تحليلها، مـمـا يجعـل العملة الرقمية أكثر أماناً من المعاملات الإلكترونية العادية إضافة إلى استخدام أسـماء مستعارة أو أرقام حسابات غير مرتبطة بأي مستخدم أو حساب أو بيانات مخزنة يمكن ربطها بملف تعريف، بمـا يحقق مبدأ الخصوصية.
- هي ملكية فردية: ويعني ذلك أن المستخدم مـا لم يكن قد فوض إدارة محفظته إلى خدمـة طـرف ثالث، فهو المالك الوحيد لمفاتيح التشفير الخاصة بمحفظتـه ولا أحد يملك سلطة تجميدها أو تعطيلها.
- محميـة مـن فقـدان قيمتها، أو التضخـم : نعلـم أن التضخـم هـو آفة اقتصادات العالم، وأن العملات النقدية العادية تواجه خطر التضخم، لكن العملات الرقمية يتم إنتاجهـا عـلـى أسـاس تحديد سقف سوقي لها، وكميات محدودة منها، يزيد مع ارتفاع الطلب عليهـا مـن قيمتها بما يتواكب مع السوق، ويحميهـا مـن التضخم على المدى الطويل.
- التحكم الذاتي والصيانة المستدامة: العمـلات الرقمية تخزن بواسطة المعدنيين (Miners) في شبكة سلسلة الكتل (blockchain) على حواسبهم، ويحصلون في المقابـل عـلى العملـة نفسها كمكافأة على ذلك، لذلك فإنهم يحتفظون بسجلات المعاملات دقيقة ومحدثة باستمرار، مما يحافـظ على سلامة العملة الرقمية وسجلاتها لا مركزية.
- إمكانية صرف العملات بسهولة : يمكن استبدالها بالعملات الاعتيادية كقيمة صرف مقابلة، مـما يعنـي أن لكل منهـا سعر صرف متغـير مـع العملات العالمية الرئيسية، وهو الأمر الذي ساعد في انتشارها والإقبال عليهـا وطلبها كونها بديلاً للمعاملات النقدية الاعتيادية، ومكافئة لها في القيمـة.
- قلـة تكلفـة التحويلات، وسرعتهـا: استخدامها للتحويلات يتـم بـرسـوم معاملات قليلـة يتـم فيهـا تقليـل رسـوم المعاملات التي يدفعها المستخدم إلى مبلغ ضئيل أو ربمـا تـصـل إلى صفـر وتتـم بـشـكل مباشر بين حسابات المستخدمين وبسرعة، لذلـك لسـنا في حاجة إلى أطراف ثالثة، مثـل (VISA) أو (SWIFT)، للتحقق من المعاملة، وهـذا يلغي الحاجة إلى دفع أي رسوم معاملات إضافية، أو انتظـار وقت طويل.
عيوب العملات الرقمية
مثلما للعملات الرقمية مميزات لهـا عيـوب أيضاً لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار قبـل التعامـل بـهـا أو الاستثمار من خلالهـا وهـي كتـالي:
- بعـض العملات الرقمية لا تصرف بالعمـلات العادية: أي أنها تفتقد لميـزة الـصـرف إلى عـمـلات متعددة ولا يمكن تداولهـا إلا مقابل عملة واحـدة أو عملات معينة، وهـذا العيب يجعـل المستخدم مجبراً على تحويـل هـذه العملات الرقمية إلى إحـدى العملات الرقمية الرئيسية، مثل البيتكوين (Bitcoin) أو الإيثيريوم (Ethereum) ثم تحويلهـا للعملة المطلوبة من خلال بورصات خاصة بذلك، وهـذا الأمر يعتبر مكلفاً للغاية بشكل لا داعـي لـه.
- سهولة استخدامها في المعاملات غير القانونية: حيث أن الأمان والخصوصية المطلقة التـي تـعـد أهـم ما يميز هذه العمـلات تصعـب عـلى الحكومـات تعقب أي مستخدم لهـا مـن خـلال عنـوان محفظته أو معرفة بياناته، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قد ثم استخدام البيتكوين (Bitcoin) كوسيلة لتبادل الأموال والتمويل في الكثير من الصفقـات غـير القانونية، كما يستخدم البعـض العملات الرقمية لغسل الأموال التي حصلوا عليهـا بطريقة غير مشروعة من خلال وسيط نظيف لإخفاء مصدرها.
- عدم أمـان بورصات تداول العملات الرقمية: على الرغـم مـن أمـان وخصوصية العملات الرقمية إلا أن بورصات تداولهـا ليست آمنة حيث تقـوم بعض البورصات بتخزين بيانات المحفظة الرقمية الخاصـة بالمستخدمين لتشغيل معـرف المستخدم الخاص بهم بشكل صحيح، ويمكن للمتسللين من المخترقين المحترفين التسلل إلى هذه البيانات والوصول إليهـا وأيضـا سـرقـة العملات الرقمية المخزنة بها، وإذا كانت أغلب البورصات أمنة حالياً، لكنها تظـل عـرضـة لاحتمال اختراقها.
- فقدان البيانات: نظرا لخصوصيتهـا فـإن الوجه الآخـر لهذا القـدر مـن الخصوصيـة أنـه إذا فقد أي مستخدم المفتـاح الخـاص بالولوج إلى محفظتـه الرقمية أو حسـابه، فـلا يمكن استعادته، ستبقى المحفظة مقفلـة عـلى مـا فيهـا مـن عمـلات مـما يجعلهـا في حكـم المفقودة للأبد.
- عدم القدرة على الاسترداد أو الإلغـاء: فـإذا كان هناك نزاع بين الأطراف المعنية، أو إذا أرسـل شخص مـا أموالا عـن طـريـق الخـطـأ إلى عنـوان محفظة خطأ، فلا يمكن للمرسل استرداد العمـلات الرقمية المرسلة، وهـذا الأمـر يمكـن العـديـد مـن المحتالين مـن سـلب الأمـوال وسهولة إنشاء معاملة لم يتسلم منتجهـا أو خدماتهـا مطلقاً.
مخاطر غموض العملات الرقمية
المميزات نفسها التي تجعل العملات الرقمية مغرية للغايـة هـي أيضا ما يجعلها خطيرة للغاية ومن مخاطر غموض واستخدام هذه العملات ما يلي :
- نظراً لتطوير هذه العملات الرقمية لا مركزياً ومـا تـوفـره مـن إخفاء الهوية للمعاملات فقد ظهرت وسيلة وطريقة حديثة لتوظيف هذه العملات الرقميـة مـن خـلال استخدامها لعمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهـاب ودعم الجرائم.
- غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بطبيعة الحال، ليس سوى جانب واحـد فقط من جوانب غموض وخطر العملات الرقمية، فقد يؤدي النمو السريع للعملات الرقميـة والتقلـب الشديد في أسعارها المتداولة والروابـط غير المحددة للعالم المالي الحالي إلى توليد مخاطر جديدة بسهولة.
- فشل السلطات في تحقيق أو فرض أي سيطرة على العملات الرقمية، كما ذكرنا سابقا، ولذلك فقد حاولت بعـض الحكومات تنظيمهـا عـلى أنهـا مجرد إجـراء شكلي لأنها تدرك أنها خارجة عن سيطرتها وحتى البلدان التـي لم تنظـم بـعـد العـملـة الرقمية شهدت زيادة في استخدامها، ويعـد التشفير أمـرا خطيرا ويسهل الحصول عليه للمجرمين لأنه بعيـد تمـامـا عـن متناول السلطات.
وهنـا يعـد استخدام تحليلات التشفير المتخصصة والذكاء (blockchain) أمـرا مهما للكشـف عـن السلوك غير القانـوني عـلى البلوك تشين وإلغاء إخفاء هويته ومنع الجهات السيئة من استخدام العملات الرقمية لتمويل أنشطتها، وهـذه هـي الطريقة الوحيـدة التـي يمكن لأجهزة إنفاذ القانـون والأجهزة الأمنيـة مـن خلالها مواجهـة مجموعة متنوعـة مـن التهديدات المعقدة والتخفيف منها، بما في ذلك:
- تحديد ما إذا كانت المعاملات وعناوين التشفير غير قانونية أو مشبوهة.
- استخدام (blockchain) لتتبع الأنشطة.
- تتبع أثر الأموال التي تم استخدامها لأغراض غير قانونية.
- اكتشاف الهوية الحقيقية للأشخاص المتورطين في هـذه المعاملات وتقديمهـم للعدالة.
وبالرغم من ذلك فإن وجود تكنولوجيا متقدمة غير كاف، فالتكنولوجيا دائمـة التغير والتطور والتنوع في خدماتها التـي يمكن أن ينتجها أو يوظفهـا المجرمون والإرهابيون لابتكار وسائل متعددة للتخفي وإخفاء آثارهـم بسهولة أكبر، فمثلاً:
- الخلاطـات: للجمـع بين الأموال الرقميـة التـي يمكن تحديدهـا مـع الآخرين لزيادة إخفاء هوية العملة الرقمية.
- المتحولون: لدمج وتحويل أموال العملة الرقمية من عملة معماة إلى أخرى.
- محافظ التشفير المحسنة: وتتضمن ميزات الخصوصية أو الأمـان مـثـل متصفحات (TOR) المجهولة أو خدمـات المـزج لخلط وتحويل أموال التشفير من عملة مشفرة إلى عملة أخرى، ونتيجة لذلك، فإن حظر التمويل المشفر للجريمة والإرهاب يتطلب أيضاً مستوى عـال مـن المعرفة بالموضـوع وجوانبه.
أخيـــــــراً :
رغم كل مـا تقـدم ذكره من مميزات وعيوب ومخاطر وغموض العملات الرقمية لا يزال هناك العديد من التساؤلات التي تنتظر الإجابة عليها في المستقبل مـن هـذه التساؤلات على سبيل المثال:
- هل ستواصل العملات الرقمية صعودها أم سوف تنهار؟ .
- هل ستجبر المخاطر التي يشكلها التشفير التام لهذه العملات الحكومات
على تنظيمـه أو حظره بالكامل في المستقبل؟ .
- إذا كان الهدف من الـ (blockchain) والـ (crypto) هو تطوير عملـة تحـل مـحـل النقـود الاعتيادية لكي تصبح الوسيلة الأساسية للدفع، فهـل مـن يستخدم وينتج هذه العملات الرقمية على دراية بالتكاليف التي يتحملهـا العـالم لنهـج هـذا التحـول في التعاملات المالية؟.
ويشـكـل عـام يـمـكـن القـول أنه ورغـم إمكانيـة استغلال هـذه العمـلات الرقمية لأغراض غير قانونية، وفي الجرائم، وعدم وجود ضمانات لتحقيق الربح في كل سيناريو استثماري يتـم، ورغم إعراب العديد من الخبراء عن مخاوفهـم بشأن مخاطر العملات الرقمية وتأثيرها الضـار على المجتمع والاقتصـاد، تظـل العملات الرقميـة ظاهـرة تقنيـة يجب على المجتمـع أن يتعامل معها بوعي ومعرفة وعلى الجهات الحكومية التنبه لهذا النوع من التعاملات ووضع الضوابط المعرفية لتوعية المجتمع وأفراده بمخاطـر وغموض العملات الرقمية.
* مشرف عمليات مصرفية - بنك التضامن