جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2022/09/11
في وقت صعب رحلت الملكة إليزابيث الثانية، مخلفة وراءها تركة اقتصادية مثقلة بكثير من الأزمات، وربما الملف الأخطر الذي يواجهه الاقتصاد البريطاني في الوقت الحالي هو التضخم وأسعار السلع، إذ تشير التوقعات إلى استمرار معدل التضخم إلى مستوى 13.1 في المئة خلال العام الحالي، وتستمر الأزمة حتى العام المقبل.
فيما سيتراجع النمو إلى أدنى مرتبة في المجموعة عام 2023، وفقاً لصندوق النقد الدولي، كما يتوقع المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية أن تدخل البلاد في حالة ركود قبل العام المقبل.
ويوم الخميس الماضي، كشفت حكومة رئيسة الوزراء ليز تراس النقاب عن مقامرة ضخمة لإنقاذ الاقتصاد، بعد يومين فقط من العمل، وقبل ساعات قليلة من وفاة الملكة ودخول البلاد في فترة حداد وطني ستستمر حتى يوم الجنازة، وقد تم إغلاق بعض المحال التجارية والأماكن الرياضية لإبداء التعاطف والاحترام، ولكن في معظم أنحاء البلاد استمرت الأعمال كالمعتاد.
ويوم الجمعة افتتحت الأسواق المالية في لندن على ارتفاع الأسهم تماشياً مع الأسواق الأخرى في أوروبا وآسيا، وقالت بورصة لندن إنها تتوقع استمرار التداول خلال فترة الحداد، وسيغلق تعليق التداول فقط يوم الجنازة التي لم يتم الإعلان عن موعدها بعد، ولكن من المحتمل أن يكون يوم عطلة رسمية.
فيما أغلق "سيلفريدجز" وهو أحد أقدم المتاجر الكبرى منافذ البيع في لندن ومانشستر وبرمنغهام، لكنه قال إنه سيعاد فتحه يوم السبت. وفي غضون ذلك قدمت النقابات العمالية بعض الراحة من الموجة الأخيرة من العمل الصناعي، كما ألغت نقابة عمال الاتصالات إضراباً شارك فيه 115 ألف عامل بريد ملكي، كان مخططاً له يوم الجمعة، أيضاً ألغت نقابات النقل الإضراب الذي تم تنظيمه الأسبوع المقبل وفي وقت لاحق هذا الشهر على السكك الحديدية، وبينما ألغت الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون حدثها السنوي قبل حفل إيمي المقرر عقده في نهاية هذا الأسبوع، كانت مسارح "ويست إند" في لندن مفتوحة.
يقول هولجر شميدنج، كبير الاقتصاديين في بنك "بيرنبيرغ"، إنه يتوقع أن يكون التأثير الاقتصادي لوفاة الملكة "طفيفاً". وأشار إلى أن "إلغاء إضرابات السكك الحديدية المعطلة في الوقت الحالي، يجب أن يخفف جزئياً من تأثير أيام الحداد... ومن المحتمل أن تسهم عائدات السياحة الإضافية في ذلك".
هل تعطلت خطط الإنقاذ الاقتصادي؟
جاءت أنباء وفاة الملكة بعد ساعات فقط من إعلان تراس عن خطط للحد من فواتير الطاقة البريطانية اعتباراً من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، مما يوفر الإغاثة لملايين الأسر وآلاف الشركات، التي تكافح للتعامل مع الأسعار المرتفعة، لكن خطة الإنقاذ قد تكلف ما يصل إلى 150 مليار جنيه استرليني (172 مليار دولار)، ويمكن تمويلها إلى حد كبير من خلال الاقتراض الحكومي. ومن المقرر أن يؤكد وزير المالية كواسي كوارتنغ الكلفة الإجمالية للخطة في وقت لاحق من هذا الشهر.
ومع ذلك يمكن أن يتحول كثير من اهتمام الحكومة الآن إلى أحداث الأيام القليلة المقبلة، حيث تستعد لجنازة الملكة وتتويج خليفتها الملك تشارلز، كما تم تعليق الأعمال العادية في البرلمان لأيام عدة.
ويقول المحلل في شركة الاستثمار "إي جي بيل" داني هيوسون، إنه "من المحتمل أن تتأخر ميزانية الطوارئ الوشيكة"، وأوضح أن كيفية استجابة "بنك إنجلترا" للزيادة الهائلة في الاقتراض الحكومي أمر بالغ الأهمية أيضاً، فالمستثمرون قلقون بالفعل في شأن الحالة المالية للحكومة البريطانية، وكان من المقرر أن يجتمع البنك، الخميس، حيث كان من المتوقع أن يرفع أسعار الفائدة مرة أخرى.
لكن "بنك إنجلترا" أعلن، الجمعة التاسع من سبتمبر (أيلول)، أنه سيؤجل قراره في شأن سعر الفائدة لمدة أسبوع واحد، "في ضوء فترة الحداد الوطني"، وسوف يجتمع في 22 سبتمبر الحالي، فيما لم ترد وزارة الخزانة البريطانية طلبات للتعليق، وقال متحدث باسم رئيس الوزراء إن سقف أسعار الطاقة سيكون كما هو مخطط في الأول من أكتوبر على رغم فترة الحداد.
مخاوف الركود مع استمرار أزمات الأسعار
في سوق العملة تم تداول الجنيه الاسترليني على ارتفاع يوم الجمعة عند 1.16 دولار، منتعشاً من أدنى مستوياته في 37 عاماً التي سجلها في وقت سابق من الأسبوع، ولكن الانخفاض طويل المدى في قيمته منذ الأزمة المالية العالمية كان من المرجح أن يستمر "حتى يكون هناك تغيير زلزالي في اتجاه الاقتصاد والسياسة الاقتصادية".
في مذكرة بحثية حديثة قال استراتيجي الماكرو في "سوسايتي جنرال" كيت جوكس إن "هناك فرصة قوية أن يكون الملك تشارلز الثالث أول ملك بريطاني يدفع أكثر من جنيه واحد مقابل الدولار أو أكثر من جنيه واحد مقابل اليورو أو كليهما"، مضيفاً أنه من غير المرجح أن ينخفض الجنيه إلى أقل من التكافؤ مع الدولار هذا العام.
أما بالنسبة إلى الأوراق النقدية في المملكة المتحدة التي تظهر صورة الملكة، فإنها "لا تزال تمثل مناقصة قانونية"، كما قال "بنك إنجلترا"، مضيفاً أنه سيعلن عن خطط لطباعة نقود جديدة مع صورة للملك تشارلز بعد انتهاء فترة الحداد.
"العاصفة الاقتصادية"
فيما أظهر الركود في ظل وباء كورونا خطر سياسات قصر النظر أيضاً، إذ هدفت سياسة الإغلاق الحكومية إلى حماية هيئة الخدمات الصحية الوطنية من الإرهاق، بعد أن كانت سنوات من نقص الإنفاق بالنسبة إلى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قد استنفدت موارد الهيئة، وبما أن النظام لم يكن مستعداً بالقدر المطلوب كان لا بد من تمديد الإغلاق من أجل تجنب مزيد من الوفيات.
وفي خطاب حديث تعهدت رئيسة الحكومة الجديدة بقيادة بريطانيا للخروج من "العاصفة الاقتصادية"، ووعدت بإعادة بناء المملكة المتحدة، وقالت "لدي خطة لجعل اقتصاد بريطانيا عالي النمو خلال السنوات العشر المقبلة"، وشددت على اتخاذ إجراءات هذا الأسبوع لمعالجة "فواتير الطاقة التي لا يمكن تحملها"، الناجمة عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وفقاً لـ"فوربس".
وحددت ثلاث أولويات هي الاقتصاد والطاقة والرعاية الصحية. وأشارت تراس إلى أنها ستقوم "بأحدث تغيير اقتصادي شهدته البلاد منذ 30 عاماً"، كما تعهدت كذلك بتقديم 36 مليار دولار في شكل تخفيضات ضريبية، وهو ما سيكبح جماح التضخم ويعزز النمو، على حد تعبيرها.
ومن المقرر أن تعلن رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تراس عن حزمة تتعدى 115 مليار دولار لكبح أسعار الكهرباء في بلادها، وتعزيز الاعتماد على مصادر جديدة للطاقة، وفي المقابل، يتوقع محللون أن ترتفع فواتير الكهرباء على الأسر البريطانية بنسبة 80 في المئة خلال أكتوبر المقبل.
اندبندنت عربية