جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2022/09/26
اتخذت البنوك المركزية حول العالم موقفا أكثر تشددا، مع تشديد سياساتها والكشف عن مخالبها. استخدمت البنوك لغة حادة لإعلان هدفها الوحيد المتمثل في هزيمة كارثة التضخم، بدعم من الزيادات الحادة في أسعار الفائدة والتدخل في العملات.
في واحدة من أكثر التحولات المفاجئة في صنع السياسة الاقتصادية العالمية منذ عقود، يقول محافظو البنوك المركزية إنهم اكتفوا من الزيادات السريعة في أسعار الفائدة ويصرون على أنهم مستعدون للعمل على استعادة استقرار الأسعار، مهما كان الثمن تقريبا.
لكن بعد مضي أسبوع حافل بالإعلانات المفاجئة من البنوك المركزية حول العالم، بدأ بعض الاقتصاديين، على الأقل، يتساءلون – هل تسرعت في ذلك كثيرا؟
من أهم الأطراف في هذا التحول في المزاج هو الاحتياطي الفيدرالي. الأربعاء، رفع سعر الفائدة الرئيس 0.75 نقطة مئوية إلى نطاق يراوح بين 3 و3.25 في المائة، بعد أن كان هذا المعدل يقترب من الصفر في بداية العام.
أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى أن هذه الخطوة هي أبعد ما تكون عن نهاية تشديد سياسته النقدية، حيث توقع أعضاء لجنة تحديد أسعار الفائدة أن هذه الأسعار ستنهي 2022 بين 4.25 و4.5 في المائة – وهي أعلى نسبة منذ الأزمة المالية في الفترة بين 2008 و2009.
كان جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، قد تحدث في الصيف عن ارتفاع تكاليف الاقتراض التي تنتهي بـ”هبوط سلس” للاقتصاد دون ركود وانزلاق بسيط في معدلات التضخم. إلا أنه عاد واعترف الأربعاء أن حدوث ذلك غير مرجح. قال باول، “علينا أن نتغلب على التضخم. أتمنى لو كانت هناك طريقة غير مؤلمة لتحقيق ذلك”.
كانت خطة الاحتياطي الفيدرالي للحد من الإنفاق الاستهلاكي وإنفاق الشركات في محاولة للحد من التضخم المحلي قد تكررت في أماكن أخرى، على الرغم من أن أسباب ارتفاع التضخم كانت مختلفة.
في أوروبا، زادت الأسعار الاستثنائية للغاز الطبيعي من معدلات التضخم الرئيسة إلى مستويات مشابهة للولايات المتحدة، لكن التضخم الأساس أقل كثيرا، في الاقتصادات الناشئة، أدى انخفاض قيمة عملاتها مقابل الدولار الأمريكي، الذي سجل أعلى مستوى في 20 عاما هذا الأسبوع، إلى ارتفاع أسعار الواردات.
بدأ مصرف ريكسبانك السويدي إجراءات التقليد الثلاثاء بزيادة نقطة مئوية واحدة في سعر الفائدة لتبلغ 1.75 في المائة، وهي أكبر زيادة في سعر الفائدة منذ ثلاثة عقود، أعلن كل من سويسرا والسعودية والإمارات زيادة قدرها 0.75 نقطة مئوية، الذي يعني بالنسبة إلى سويسرا إنهاء فترة أسعار الفائدة السلبية التي بدأت في 2015، رفع بنك إنجلترا الخميس سعر الفائدة الرئيس 0.5 نقطة مئوية ليصل إلى 2.25 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ الأزمة المالية، مع شبه وعد برفع أسعار الفائدة في المستقبل.
حتى اليابان، التي طالما تبنت معدلات فائدة سلبية، شعرت السلطات فيها بالحاجة إلى التصرف من أجل كبح جماح التضخم، تدخلت وزارة المالية في أسواق العملات الخميس لدعم الين والحد من ارتفاع أسعار الواردات، تطلب الأمر ما أسمته القيام بـ”الإجراء الحاسم” لمعالجة قوة الدولار الأمريكي التي كانت تدفع معدل التضخم الأساس في البلاد إلى معدل مرتفع على نحو غير عادي بلغ 2.8 في المائة في آب (أغسطس).
أشار الاقتصاديون في دويتشه بانك إلى أنه مقابل كل بنك مركزي يخفض أسعار الفائدة حاليا حول العالم، هناك 25 بنكا ترفع أسعار الفائدة – وهي نسبة أعلى كثيرا من المستويات العادية، وأنها لم تحدث منذ أواخر التسعينيات، عندما منحت الحرية لكثير من البنوك المركزية لوضع سياستها النقدية.
يقول ناثان شيتس، الرئيس العالمي للاقتصاد الدولي في مصرف سيتي والمسؤول السابق في وزارة الخزانة الأمريكية، إن البنوك المركزية “تتحرك بسرعة كبيرة لدرجة أنها مع وضعها هذه الزيادات في الفائدة، إلا أنه لم يكن هناك حقا ما يكفي من الوقت لهم للحكم على آثار ردود الفعل في الاقتصاد”.
لكن محافظي البنوك المركزية ترددوا في الاعتراف بأنهم ارتكبوا أخطاء بإبقاء أسعار الفائدة منخفضة للغاية لفترة طويلة جدا، مشيرين إلى أن اعتماد هذه التقييمات كان أسهل كثيرا بالاستفادة من الإدراك بعد فوات الأوان منه في الوقت الفعلي. لكنهم يريدون الآن اتخاذ إجراءات لإثبات أنه، حتى لو تأخروا في البدء في اتخاذ إجراءات ضد التضخم، فإنهم سيكونون “أقوياء” بما يكفي لاستخدام كلمة بنك إنجلترا لخفض التضخم.
كان باول واضحا بأن البنك المركزي الأمريكي لن يفشل في مهمته، قال الأربعاء، “سنظل وراءه -التضخم- حتى نتأكد من أن المهمة قد انتهت”، بينما كان بنك ريكسبانك السويدي صريحا بشكل مميز في تقييمه، قال إن “التضخم مرتفع للغاية، وأضاف أن “السياسة النقدية تحتاج الآن إلى مزيد من التشديد لإعادة التضخم إلى الهدف”.
كان الموقف الجديد بشأن السياسة النقدية يتطور خلال 2022 وذلك عندما أصبحت مشكلة التضخم أكثر إلحاحا وصعوبة بالنسبة إلى محافظي البنوك المركزية، بحلول الوقت الذي اجتمع فيه كثيرون في جاكسون هول في آب (أغسطس) لحضور مؤتمرهم السنوي الأول، كان المزاج قد تحول بشكل حاسم نحو الإجراءات الكبرى التي يتم تنفيذها الآن في جميع أنحاء العالم.
يقول كريستيان كيلر، رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية في مصرف باركليز الاستثماري، “إنه منذ المؤتمر المنعقد في جاكسون هول، قرر محافظو البنوك المركزية أنهم يريدون أن يقعوا في الخطأ فيما يتعلق بجانب التشديد”.
يقول كيلر موضحا كيف يقول محافظو البنوك المركزية الآن إنهم يريدون تجنب الأخطاء التي حدثت في السبعينيات، “للمرة الأولى ربما منذ عقود، أصبحوا يخشون فقدان السيطرة على معالجة التضخم”، أضاف أن البنوك المركزية “تتخذ قرارات تحمل كثيرا من المخاطر وهذا يبدو أفضل إذا كان الجميع يفعل الأمر نفسه، النتيجة هي سياسات تشديد متزامنة”.
مع هذا الموقف الجديد، تقدر الأسواق أنه بحلول حزيران (يونيو) من العام المقبل، سترتفع أسعار الفائدة إلى 4.6 في المائة في الولايات المتحدة، و2.9 في المائة في منطقة اليورو، و5.3 في المائة في المملكة المتحدة – وهي توقعات تراوح بين 1.5 نقطة ونقطتين مئويتين أعلى مما كانت عليه في بداية آب (أغسطس).
من خلال رفع أسعار الفائدة، لا يسعى محافظو البنوك المركزية إلى خفض معدلات الفائدة في ذروة التضخم التي نشأت، خارج الولايات المتحدة، نتيجة لارتفاع أسعار الغاز والغذاء، لكنهم يهدفون إلى ضمان عدم استقرار التضخم عند معدل أعلى بشكل مزعج من أهدافهم، لكن ذلك قد يحدث إذا بدأت الشركات والموظفون في توقع تضخم أعلى، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والمطالبة بأجور أعلى.
إنهم على استعداد لضمان وجود الألم فيما يتعلق بالانكماش الاقتصادي لإثبات مصداقيتهم في الوصول إلى أهدافهم بشأن التضخم.
يقول شيتس، إنه بعد أن أساءت البنوك المركزية قراءة التضخم العام الماضي، فإنها تفضل الآن المبالغة في فهمه، إنهم يوازنون بين احتمالات حدوث ركود مقابل مخاطر حدوث أزمة تضخم مستمرة من شأنها تقويض مصداقيتهم، قال، “إنهم عموما يشعرون (…) أن هذه مخاطرة يتعين عليهم فعلها”.
هناك تعقيد إضافي يتمثل في أن النماذج التي تستخدمها البنوك المركزية – التي لم تتوقع مثل هذه الزيادات السريعة في الأسعار بسبب هدوء الجائحة وبدء الأزمة الأوكرانية – لم تعد تعمل بشكل جيد في وصف الأحداث الاقتصادية.
تقلق إيلي هندرسون، الخبيرة الاقتصادية في شركة إنفيستيك، من أن “الأدوات والنماذج التقليدية، التي ستؤثر عادة في هذه التحليلات للبنوك المركزية، لم يعد من الممكن الاعتماد عليها لأنها تعمل الآن في معايير خارج النطاقات التي تم تقديرها”.
تعتقد جينيفر ماكيون، رئيسة قسم الاقتصاد العالمي في “كابيتال إيكونوميكس”، أنه في هذا العالم المجهول يصعب القول إن البنوك المركزية تمادت لأبعد من اللازم.
تقول، “في حين تعد هذه الدورة من أشد دورات التشديد منذ أعوام عديدة، فمن الصحيح أيضا أن التضخم أعلى مما كان عليه منذ عقود، ارتفعت توقعات التضخم وأصبحت أسواق العمل ضيقة، لذا تشعر البنوك المركزية بالقلق بشأن الآثار المحتملة للجولة الثانية لأسعار الطاقة والأجور والتضخم الأساس”.
لكن أعدادا متزايدة من الاقتصاديين، وعلى رأسهم بعض الأسماء الكبيرة مثل موريس أوبستفيلد، كبير الخبراء الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، يعتقدون أن البنوك المركزية تبالغ الآن في إجراءاتها لرفع أسعار الفائدة وأن نتيجة كل هذا التشديد ستؤول إلى ركود عالمي. كما أعرب البنك الدولي هذا الأسبوع عن مخاوف مشابهة.
يقول أنطوان بوفيت، الخبير الاقتصادي في مصرف أي إن جي، “إن البنوك المركزية فقدت الثقة بقدرتها على التنبؤ بالتضخم بدقة”، الأمر الذي دفع بها إلى التركيز أكثر على معدلات التضخم الفعلية لليوم.
يشرح قائلا، “أضف إلى هذا حقيقة أنهم يعتقدون على ما يبدو أن تكلفة المبالغة في تشديد سياستهم أقل من التقصير في ذلك ويصبح لديك وصفة للتشديد المفرط، أود أن أصف خيار السياسة هذا بأنه تجاوز متعمد تقريبا”.
وفقا لهولجر شميدنج، كبير الاقتصاديين في مصرف بيرنبرج الاستثماري، “تعمل السياسة النقدية ببطء، لذلك يكمن الخطر في تأخر ملاحظة الاحتياطي الفيدرالي أنه قد تجاوز الحد إذا رفع الآن أسعار الفائدة أكثر من 4 في المائة”، ما يؤدي إلى فترات ركود طويلة وعميقة دون داع.
لكن كما يشرح كثير من الخبراء الاقتصاديين، لا أحد يعرف بالفعل ما هو أكثر من اللازم وما هو أقل في هذه البيئة. لذلك، تريد البنوك المركزية ضمان القضاء على التضخم، ما يسمح لها بتصحيح المسار وخفض أسعار الفائدة لاحقا إذا لزم الأمر.
يقول كريشنا جوها، نائب رئيس مجلس إدارة مصرف إيفرسكور أي إس آي، إن هناك “خطرا كبيرا” يتمثل في أن البنوك المركزية تبالغ في التشديد، لكنه يؤكد أن الاحتياطي الفيدرالي على حق في أن يخطئ في فعل ما هو أكثر من اللازم.
يقول جوها، “على المستوى العالمي، وكذلك على مستوى الولايات المتحدة، ربما يكون من الأفضل تجاوز الحد في فعل الشيء بدلا من التقصير والمخاطرة بعودة السبعينيات. لكن هذا بالطبع يجعل نتيجة المبالغة في ذلك أكثر احتمالا”.