جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2022/10/06
وصل التضخم في تركيا إلى مستوى قياسي منذ 24 عاما بلغ 83% ومع ذلك يغض البنك المركزي التركي طرفه متجاهلا الآثار التدميرية للتضخم، بل وأكثر من ذلك يطبّق سياسة مختلفة تماماً عن المبادئ الاقتصادية المعروفة.
ويعكف المركزي التركي على خفض الفائدة غير مبالٍ بارتفاع التضخم لأعلى مستوى في 24 عاماً، إذ تحظى تلك القرارات بالدعم الكامل من رئيس البلاد رجب طيب أردوغان.
ويأتي ذلك عكس قرارات البنوك المركزية الكبرى بقيادة الاحتياطي الفدرالي التي ترفع الفائدة هذا العام لكبح التضخم الجامح.
تضخم جامح
البيانات الرسمية في تركيا كشفت ارتفاع التضخم لأعلى مستوى منذ عام 1998 في سبتمبر أيلول، وذلك إلى 83.45% على أساس سنوي، كما ارتفعت أسعار المستهلكين على أساس شهري بنحو 3.08%.
وكانت أسعار المواصلات هي المحرك الأساسي لارتفاع التضخم في تركيا الشهر الماضي إذ زادت بنحو 118% على أساس سنوي، فيما زادت أسعار الغذاء والمشروبات غير الكحولية بنحو 93.05%.
كما شهدت أسعار المنتجين زيادة حادة خلال الفترة ذاتها، فارتفعت بنحو 151.5% على أساس سنوي، وبنسبة 4.78% على أساس شهري.
ويرى JP Morgan أن التضخم سيظل على الأرجح عند مستويات بالغة الارتفاع حتى تصبح السياسات النقدية تقليدية.
وأضاف: قوى الركود العالمي وتأثيرها على السلع ووتيرة انخفاض الليرة ستكون ضمن العوامل الرئيسية للتضخم.
مع ذلك، أظهر مسح لرويترز أن التضخم في تركيا سينخفض إلى 72% بحلول نهاية العام الجاري.
سياسة نقدية تيسيرية تحظى بدعم رئاسي
على الرغم أن الاستجابة المنطقية والتقليدية لأرقام التضخم في تركيا من المفترض أن تتمثل في دورة تشديد نقدي، يتبع المركزي التركي نهجاً مختلفاً لمحاربة التضخم، وقد يكون الدعم الكامل من رئيس البلاد لتلك السياسة أحد أسباب مواصلة تطبيقها.
ويصف أردوغان معدلات الفائدة المرتفعة بأنها عدو له، مؤكداً أن خفض الفائدة حتى مستويات 12% ليس كافياً، وأن هناك حاجة إلى مزيد من التيسير.
ولا يجد أردوغان أية مشكلة في أن يصرح بأنه نصح المركزي التركي بخفض الفائدة في الاجتماعات المقبلة، متوقعاً بلوغ معدل الفائدة مستويات من رقم أحادي.
وعلى مدار الشهرين الماضيين، خفض المركزي التركي معدل الفائدة بنحو 200 نقطة أساس إلى 12% في خطوات تسببت في صدمة للأسواق.
ما المنطق من تلك السياسة النقدية المثيرة للجدل؟
يرى المسؤولون في تركيا أن تلك السياسة ستساعد على خفض التضخم الأشهر المقبلة، فيما يتوقع الاقتصاديون ارتفاع التضخم وتهاوي الليرة في العام المقبل.
وقالت الحكومة التركية إن التضخم سينخفض مع إعطاء الأولوية لبرنامجها الاقتصادي لمعدلات الفائدة المنخفضة بهدف تعزيز الإنتاج والصادرات بغرض تحقيق فائض في الحساب الجاري.
هذا وذكر بيان السياسة النقدية لآخر اجتماع للبنك أن الخفض كان ضرورياً مع استمرار تباطؤ النمو والطلب وتصاعد المخاطر الجيوسياسية.
فيما ذكر ليام بيتش كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة لدى Capital Economics أنه من الواضح أن المركزي التركي يتعرض لضغط سياسي للالتزام بسياسة أردوغان للتيسير النقدي.
وأضاف: من الواضح أن أردوغان يركز بشكل أكبر على النمو وليس معالجة التضخم.
فيما صرح تيموثي آش استراتيجي الأسواق الناشئة في BlueBay Asset Management بأن السبب في تلك السياسات من جانب أردوغان هو الانتخابات في العام المقبل.
وهو ما يراه أيضاً إريك مايرسون كبير الاقتصاديين لدى Handelsbanken Capital Markets الذي ذكر أنه بالنظر إلى الانتخابات المقبلة سيستمر التركيز غير المتناسب على دعم النمو الاقتصادي قصير الأجل، مما يفرض المزيد من الضغط على التضخم والليرة.
وأضاف: قد تبدو قدرة الحكومة التركية على تجنب أزمة مالية عميقة نجاحاً، لكنها تتسبب كذلك في خنق الإمكانات الاقتصادية للبلاد.
الليرة فقدت 28% من قيمتها ولكن..
تتضح تداعيات تلك الخطوات على أداء الليرة التي تتداول عند مستويات قياسية متدنية 18.56 ليرة لكل دولار، إذ فقدت 28% من قيمتها أمام الدولار هذا العام.
وكتب بيتش بعد قرار خفض الفائدة الشهر الماضي، أنه مع تشديد ظروف التمويل الخارجي تظل المخاطر تميل بشدة نحو الانخفاضات الحادة وغير المنضبطة في الليرة.
وتسبّبت عمليات خفض الفائدة العام الماضي في محو 44% من قيمة الليرة أمام الدولار.
كما تتوقع Capital Economics تراجع العملة التركية إلى 24 ليرة لكل دولار بحلول مارس آذار 2023.
وتسببت تلك السياسة في تضخم العجز التجاري والحساب الجاري في تركيا.
ومع ذلك كانت العملة أقل تفاعلاً مع البيانات الاقتصادية وتصريحات أردوغان مما كانت عليه في السابق، ويرجع ذلك إلى تبني البنك المركزي دوراً مهيمناً في سوق الفوركس منذ ديسمبر كانون الأول.
هل يواصل البنك سياسته التيسيرية؟
يتوقع Goldman Sachs أن يواصل البنك المركزي خفض الفائدة بنحو 100 نقطة أساس كل شهر حتى نهاية العام الجاري.
كما يتوقع JP Morgan أن يواصل البنك سياسته التيسيرية: قرارات السياسات النقدية أصبحت منفصلة عن أساسيات الاقتصاد الكلي، وأصبحت تقريباً غير متصلة بديناميكيات التضخم على المدى القصير.
فيما يرى بيتش أن المركزي التركي ربما سيواصل تلك السياسة التيسيرية لشهر أو اثنين، مضيفاً: المساحة المتاحة للتيسير النقدي أصبحت محدودة بشكل متزايد بسبب الضغط الذي يفرضه ذلك على الليرة.
وتابع: تعاني تركيا من عجز كبير في الحساب الجاري، وأصبحت معتمدة على تدفقات رأس المال الأجنبي لتمويل ذلك العجز، واحتياطات العملة الأجنبية في تركيا منخفضة للغاية لدرجة أن البنك المركزي ليس في وضع يسمح بالتدخل.
وواصل: في مرحلة ما ستنخفض الثقة إلى درجة أن تجف تلك التدفقات الحيوية على الأرجح فخفض أسعار الفائدة يزيد من صعوبة جذب تركيا لتلك التدفقات.
سي ان بي سي