جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2022/10/17
مع استمرار حرب العملات وصل الدولار الأميركي إلى أعلى مستوى له منذ عام 2000، بعد أن ارتفع بنسبة 22 في المئة مقابل الين، و13 في المئة مقابل اليورو، وستة في المئة مقابل عملات الأسواق الناشئة، منذ بداية هذا العام، وكشف تقرير حديث أن لمثل هذا الارتفاع الحاد في قيمة الدولار في غضون أشهر تداعيات كبيرة على الاقتصاد الكلي لجميع البلدان تقريباً، نظراً لهيمنة الدولار على التجارة والتمويل الدوليين.
وفي حين أن حصة الولايات المتحدة في صادرات البضائع العالمية قد انخفضت من 12 في المئة إلى ثماني في المئة منذ عام 2000، فقد احتفظت حصة الدولار في الصادرات العالمية بحوالي 40 في المئة، وبالنسبة إلى العديد من البلدان التي تكافح لخفض التضخم المرتفع، فإن ضعف عملاتها مقارنة بالدولار جعل المعركة أكثر صعوبة، في المتوسط، فإن الممر المقدر لارتفاع قيمة الدولار بنسبة 10 في المئة في التضخم هو 1 في المئة. وتشتد هذه الضغوط بشكل خاص في الأسواق الناشئة، مما يعكس زيادة اعتمادها على الواردات وزيادة نصيبها من الواردات المفوترة بالدولار مقارنة بالاقتصادات المتقدمة.
في الوقت نفسه، يتردد صدى ارتفاع قيمة الدولار من خلال الميزانيات العمومية في جميع أنحاء العالم. ما يقرب من نصف جميع القروض عبر الحدود وسندات الدين الدولية مقومة بالدولار الأميركي، وبينما أحرزت حكومات الأسواق الناشئة تقدماً في إصدار الديون بعملتها الخاصة، فإن قطاعات الشركات الخاصة لديها مستويات عالية من الديون المقومة بالدولار، ومع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، تم تشديد الأوضاع المالية إلى حد كبير في عديد من البلدان، ولا يؤدي الدولار القوي إلا إلى تفاقم هذه الضغوط، خصوصاً بالنسبة إلى بعض الأسواق الناشئة وعديد من البلدان منخفضة الدخل المعرضة بالفعل لخطر كبير من ضائقة الديون.
لماذا تتآكل أسعار صرف العملات؟
في ظل هذه الظروف، هل ينبغي للدول أن تدعم عملاتها بشكل فعال؟ عديد من البلدان تلجأ إلى التدخلات في النقد الأجنبي، وقد انخفض إجمالي الاحتياطيات الأجنبية التي تحتفظ بها اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية بأكثر من ستة في المئة في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام.
ووفق تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، تتطلب استجابة السياسة المناسبة لضغوط الاستهلاك التركيز على العوامل المحركة لتغير سعر الصرف وعلى علامات اضطرابات السوق، على وجه التحديد، ينبغي ألا يكون التدخل في أسعار الصرف بديلاً من التعديل المبرر لسياسات الاقتصاد الكلي، وهناك دور للتدخل على أساس مؤقت عندما تزيد تحركات العملة بشكل كبير من مخاطر الاستقرار المالي و/ أو تعطل بشكل كبير قدرة البنك المركزي على الحفاظ على استقرار الأسعار.
واعتباراً من الآن، تعد الأساسيات الاقتصادية عاملاً رئيساً في ارتفاع قيمة الدولار. فالارتفاع السريع في أسعار الفائدة الأميركية وشروط التجارة الأكثر ملاءمة، وهو مقياس لأسعار صادرات الدولة بالنسبة إلى وارداتها، بالنسبة إلى الولايات المتحدة بسبب أزمة الطاقة، وفي إطار محاربة الزيادة التاريخية في التضخم، شرع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مسار تشديد سريع لأسعار الفائدة، وبينما يواجه البنك المركزي الأوروبي تضخماً واسع النطاق، فقد أشار إلى مسار ضحل لمعدلات سياسته، خوفاً من أن تتسبب أزمة الطاقة في حدوث انكماش اقتصادي. في غضون ذلك، سمح التضخم المنخفض في اليابان والصين لبنوكهما المركزية بمقاومة اتجاه التضييق العالمي.
لكن الصدمة الهائلة في معدلات التبادل التجاري التي أحدثها الهجوم الروسي على أوكرانيا هي المحرك الرئيس الثاني وراء قوة الدولار، وتعتمد منطقة اليورو بشكل كبير على واردات الطاقة، لا سيما الغاز الطبيعي من روسيا، وأدى ارتفاع أسعار الغاز إلى انخفاض معدلات التبادل التجاري إلى أدنى مستوى في تاريخ العملة المشتركة.
الأسواق الناشئة تسارع برفع أسعار الفائدة
بالنسبة إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية خارج الصين، فقد كان كثيرون في المقدمة في دورة تشديد السياسة النقدية العالمية، ربما جزئياً بسبب القلق بشأن سعر صرف الدولار، في حين شهدت بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية المصدرة للسلع الأساسية صدمة إيجابية في معدلات التبادل التجاري، ونتيجة لذلك، كانت ضغوط أسعار الصرف على متوسط اقتصاد السوق الناشئة أقل حدة مما كانت عليه في الاقتصادات المتقدمة، بل إن البعض مثل البرازيل والمكسيك قد ارتفعت قيمته.
ونظراً إلى الدور المهم للمحركات الأساسية، فإن الاستجابة المناسبة هي السماح لسعر الصرف بالتعديل، مع استخدام السياسة النقدية لإبقاء التضخم قريباً من هدفه، وسيساعد ارتفاع أسعار السلع المستوردة في إحداث التعديل اللازم للصدمات الأساسية حيث إنه يقلل الواردات، مما يساعد بدوره في الحد من تراكم الديون الخارجية، ويجب استخدام السياسة المالية لدعم الفئات الأكثر ضعفاً من دون تعريض أهداف التضخم للخطر.
وهناك حاجة أيضاً إلى خطوات إضافية لمعالجة عديد من مخاطر الانحدار في الأفق، والأهم من ذلك أن هناك توقعات بحدوث اضطرابات أكبر بكثير في الأسواق المالية، بما في ذلك فقدان مفاجئ في الشهية لأصول الأسواق الناشئة، مما يؤدي إلى تدفقات كبيرة لرأس المال إلى الخارج، حيث يتراجع المستثمرون إلى الأصول الآمنة.
لكن، في هذه البيئة الهشة، من الحكمة تعزيز المرونة، وعلى رغم أن البنوك المركزية في الأسواق الناشئة قامت بتخزين احتياطيات الدولار في السنوات الماضية، مما يعكس الدروس المستفادة من الأزمات السابقة، فإن هذه الاحتياطيات محدودة ويجب استخدامها بحكمة.
على البنوك المركزية تعزيز المرونة
وشدد صندوق النقد على أنه يجب أن تحتفظ البلدان باحتياطاتها من العملات الأجنبية الحيوية للتعامل مع التدفقات الخارجية والاضطرابات التي يحتمل أن تكون أسوأ في المستقبل، ويجب على القادرين إعادة خطوط المقايضة مع البنوك المركزية ذات الاقتصاد المتقدم، وينبغي للبلدان التي لديها سياسات اقتصادية سليمة وتحتاج إلى معالجة مواطن الضعف المعتدلة أن تستفيد بشكل استباقي من الخطوط الاحترازية لصندوق النقد الدولي لتلبية احتياجات السيولة المستقبلية، كذلك، يجب على أولئك الذين لديهم ديون كبيرة بالعملات الأجنبية أن يقللوا من عدم تطابق العملات الأجنبية باستخدام إدارة تدفق رأس المال أو السياسات الاحترازية الكلية، إضافة إلى عمليات إدارة الديون لتسهيل أوضاع السداد.
إضافة إلى الأساسيات مع تشديد الأسواق المالية، ترى بعض البلدان علامات اضطرابات في السوق مثل ارتفاع علاوات التحوط من العملة وأقساط التمويل بالعملة المحلية، قد تؤدي الاضطرابات الشديدة في أسواق العملات الضحلة إلى تغييرات كبيرة في هذه الأقساط، مما قد يتسبب في عدم استقرار الاقتصاد الكلي وعدم الاستقرار المالي.
في مثل هذه الحالات، قد يكون التدخل المؤقت في النقد الأجنبي مناسباً، ويمكن أن يساعد هذا في منع التضخيم المالي العكسي إذا ما أدى الاستهلاك الكبير إلى زيادة مخاطر الاستقرار المالي، مثل عجز الشركات عن السداد، وأخيراً، يمكن للتدخل المؤقت أن يدعم السياسة النقدية في الظروف النادرة إذ يمكن أن يؤدي الانخفاض الكبير في سعر الصرف إلى فك توقعات التضخم، ولا تستطيع السياسة النقدية وحدها استعادة استقرار الأسعار.
استمرار تشديد السياسة النقدية في أميركا
بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وعلى رغم التداعيات العالمية للدولار القوي والأوضاع المالية العالمية الأكثر تشدداً، يظل التضييق النقدي هو السياسة المناسبة بينما يظل التضخم في الولايات المتحدة أعلى من الهدف حتى الآن. وأوضح صندوق النقد أن عدم القيام بذلك من شأنه أن يضر بصدقية البنك المركزي، ويفكك من توقعات التضخم، ويتطلب مزيداً من التشديد في وقت لاحق ومزيداً من التداعيات على بقية العالم.
مع ذلك، يجب على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يضع في اعتباره أن التداعيات الكبيرة من المرجح أن تتسرب مرة أخرى إلى الاقتصاد الأميركي، إضافة إلى ذلك، كمزود عالمي للأصول الآمنة في العالم، يمكن للولايات المتحدة إعادة تنشيط خطوط مقايضة العملات للبلدان المؤهلة، حيث امتدت في بداية الوباء، لتوفير صمام أمان مهم في أوقات ضغوط سوق العملات، وستكمل هذه بشكل مفيد التمويل بالدولار المقدم من مكانة الاحتياطي الفيدرالي.
وكشف صندوق النقد أنه سيواصل العمل بشكل وثيق مع أعضائنا لصوغ سياسات الاقتصاد الكلي المناسبة في هذه الأوقات المضطربة، بالاعتماد على إطار سياستنا المتكامل، وإلى جانب تسهيلات التمويل الاحترازية المتاحة للبلدان المؤهلة، يقف الصندوق على أهبة الاستعداد لتوسيع موارده الإقراضية إلى البلدان الأعضاء التي تعاني من مشاكل في ميزان المدفوعات.
اندبندنت عربية