جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2022/11/16
بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، كانت 2022 سنة مريعة. فجملة الخسائر المترتبة على الغزو الروسي لأوكرانيا، وعمليات الإغلاق في الصين المرتبطة بوباء كوفيد-19، والحركة التصحيحية لسوق العقارات، وتشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للسياسة النقدية، فكل هذه العوامل ستؤدي إلى تراجع النمو العالمي للعام الجاري إلى 3.1%، وهو ما يقل كثيراً عن توقعات التعافي التي رفعت إلى 4.7% في مطلع العام.
فهل يمكن أن يصبح العام 2023 أسوأ؟ نعم بكل تأكيد.
في السيناريو الافتراضي للنمو العالمي في عام 2023 تقدر "عند بلومبرغ إيكونوميكس" معدل النمو بنحو 2.4%، وهو رقم -رغم تدنيه- قد يصبح صعب المنال إذا تفاقمت أزمة نقص الطاقة في أوروبا، أو وقع الركود مبكراً وأشد عنفاً بالولايات المتحدة، أو فرضت قيود أشد لاحتواء الوباء وخرجت أزمة سوق العقارات بالصين عن السيطرة.
استناداً لسيناريوهات وضعتها فرق العمل القُطرية لدى "بلومبرغ إيكونوميكس" وباستخدام مجموعة من النماذج لتقدير الأثر بين الدول، فإننا نقدر أنه بالنسبة لسيناريو الأزمة قد ينكمش النمو العالمي في 2023 إلى -0.5%. ومع الأخذ بالاعتبار الرقم الضعيف خلال 2022، فإن ذلك سيمحو ما يفوق 5 تريليونات دولار من الدخل العالمي بالمقارنة مع التوقعات في مطلع السنة الجارية.
قطعاً، لا يعد من قبيل المفاجئة أن تصل محاولة تهدف لتقدير سيناريو الأزمة العالمي لرقم كبير بالسالب. رغم ذلك، يشير تحليلنا على مدى سهولة تدهور نتيجة السنة المقبلة إلى مستوى دون التوقعات الضعيفة فعلياً، علاوة على بلوغ الحد الأقصى للتأثير في حال تلاطمت موجات الصدمة السلبية وتضافرت.
القوى الكبرى
في الولايات المتحدة، يتمثل السيناريو الافتراضي في أن سوق العمل قوية، وكذل إنفاق الأسر بما يكفي للاستمار في النمو حتى النصف الثاني من 2023. هذا يصل بالنمو خلال 2022 إلى 1.8% و2023 إلى 0.7%. لكن الأمر قد يكون أسوأ. ففي حال أسفرت الحركة التصحيحية العنيفة لسوق الإسكان –في ظل تأثيرات غير مباشرة على النظام المال – عن ركود يحدث بطريقة أسرع في 2022، فإن ذلك سيقضم نسبة كبيرة من النمو.
على صعيد منطقة اليورو، نفترض أن الشتاء البارد الموسمي، وتقاسم حصص الغاز عبر الدول، والدعم الضخم المقدم للشركات والأسر سيسمح للاقتصاد بتجاوز أزمة نقص الطاقة مع ركود سطحي وبسيط. تشير توقعاتنا الأساسية إلى نمو 3.1% لسنة 2022 و -0.1% خلال 2023. درجات الحرارة شديدة البرودة وأوجه القصور البالغة بالنسبة للسياسة قد تخصم 0.8 نقطة مئوية من السنة الجارية و3.3 نقطة مئوية للسنة التالية، وهو ما يدفع تكتل العملة الموحدة إلى ركود اقتصادي حاد.
نشاط التصنيع بمنطقة اليورو ينخفض إلى أدنى مستوى منذ إغلاقات "كورونا"
بالنسبة للصين، تفترض التوقعات الأساسية لدينا أن الحكومة تدير عملية إنهاء سلسة لنهج صفر كوفيد وستتفادي وقوع انهيار كارثي لسوق العقارات. وهذا يبلغ بالنمو 3.2% خلال 2022 و5.7% سنة 2023، مع نهاية قيود كوفيد -19 التي تساعد على حدوث طفرة لمرة واحدة في الرقم الخاص بعام 2023. قد تنحرف الأمور ببساطة عن المسار الصحيح. قد تقلص عمليات إغلاق أكثر للمدن الكبرى، أو معدلات نزع ملكية عقارات أعلى من المتوقع، نمو 2023 بمقدار 3.5 نقطة مئوية.
مع الأخذ بالاعتبار هذه الصدمات بمعزل عن غيرها ستكون فعلاً ضارة بما يكفي. لكن عندما تتعثر الاقتصادات الكبرى، لا تقتصر التأثيرات على داخل حدودها. إذ يترتب على الآثار غير المباشرة للتجارة والتمويل وأسعار السلع الأساسية أن تمتد الصدمات في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين لتشمل كافة أنحاء العالم. على صعيد أسواق ناشئة عديدة - التي تقدم فاتورة حساب صادراتها وتلبي احتياجاتها التمويلية بالدولار - فإن تفادي خطر صعود العملة الأميركية يفاقم الضغوط عليها.
الاقتصاد الكلي
استناداً لمجموعة من نماذج الاقتصاد الكلي، قدرت بلومبرغ إيكونوميكس تأثير أسس الاقتصاد الكلي في حال ساءت كافة الأمور في آن واحد. لا يعد بمثابة الأمر المفاجئ أن تكون النتائج غير رائعة.
في الولايات المتحدة، قلص خليط الخسائر المحلية الناجمة عن تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للسياسة النقدية والآثار غير المباشرة للركود الأوروبي الأكثر حدة والهبوط الصيني الشديد معدل النمو لسنة 2023 إلى -1.8%. وعبر منطقة اليورو سينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.1% خلال 2023. وبالنسبة للصين، فإن الآمال في حدوث ارتداد خلال السنة المقبلة مثبطة، إذ صعد الناتج المحلي الإجمالي 2.1% فقط.
تجعلنا النماذج الخاصة بنا أيضاً قادرين على توقع التأثيرات التي ستقع على الأسواق الناشئة الكبرى، بما فيها التراجع جراء الدولار الأميركي القوي. تبرز تركيا والبرازيل على أنهما الأشد تسجيلاً للخسارة.
يتعين أن يشكل التضخم المتراجع الجانب المضيء من ضعف النمو، وهذا ما يفترضه النموذج الخاص بنا. على صعيد الولايات المتحدة، كمثال، تبين النتائج هبوط معدلالتضخم بمقدار 0.7 نقطة مئوية مع نهاية 2023، وهو ما يعد كافياً لإلغاء ارتفاعات عديدة في أسعار الفائدة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. لسوء الحظ، فإن الأمور لا تجري بهذه السهولة.
مع افتراض سيناريو الاتجاه الهبوطي لأوروبا حدوث صعود لأسعار الطاقة، قد يكون التأثير العمومي عملياً هو تراجع النمو وتقدم التضخم.
سيناريو التعافي
طبعاً، من الممكن أيضاً وضع سيناريو للتعافي. قد يجنب إنهاء الصراع في أوكرانيا أو شتاء دافئ استثنائي أوروبا الوقوع في الركود. من المحتمل إنهاء الصين لعمليات الإغلاق المرتبطة بمكافحة وباء كوفيد بوقت مبكر أو تزيد من الحوافز الاقتصادية أكثر لتعويض تدهور السوق العقارية أكثر مما نتوقع. ربما تحقق أسواق العمل في الولايات المتحدة انحسار التضخم الذي يأمله بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. ربما يحفز خليط من هذه المفاجآت الإيجابية الأسواق ويزيد النمو العالمي للسنة بدرجة تفوق التوقعات.
رغم ذلك، فإن الحالة الأساسية هي أن 2023 ستكون سنة نمو ضعيف وضغوطات الأسعار العالية. الدرس المستفاد من الأعوام القليلة المنصرمة هو أن الأمور يمكن أن تتدهور دائماً.
المنهجية
قدرنا الآثار غير المباشرة العالمية باستخدام مقاربة مكونة من خطوتين. بالنسبة للولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين واليابان والمملكة المتحدة، فإننا نقدر آثار الصدمات القادمة من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين باستخدام النموذج العالمي الخاص بالبنك المركزي الأوروبي.
وتتمثل مزية هذا النموذج في أنه يضم نماذج التجارة والقنوات المالية ويتضمن نموذج العملة السائد والقناة المالية لسعر الصرف. ومن قبيل الاستدلال التقاطعي، نقوم أيضاً بتنفيذ سيناريوهات بديلة مع نموذج "سيغما" (SIGMA) الخاص ببنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
قُدرت الآثار غير المباشرة على كافة الدول الأخرى باستخدام نماذج هيكلية صغيرة (عامل بايزي) للانحدار التلقائي. نقوم بتنبؤات مشروطة في مسارات النمو المعاكسة للولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين.
بالنسبة لنماذج القيمة المعرضة للمخاطر، يفترض أن تكون الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين كتلة خارجية بالنسبة لكل بلد على حدة.
تعتمد الآثار غبير المباشرة على تاريخ العلاقة بين التكتل الكبير والبلدان التي تتلقى الصدمات.
على صعيد كافة الدول، نعتمد على فرضيات مينيسوتا القياسية المسبقة للنتائج مع 4 حالات تخلف وراء البيانات ربع السنوية بالفترة من 2001 إلى 2022، عدا فترة تفشي وباء كوفيد في العينة البحثية.
الشرق