جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2023/02/08
اقتصاد الشرق
تداعيات استمرار الأزمة قد تشمل تخفيض التصنيف الائتماني واضطراب سوق الدين وبالنهاية الركود
تواجه الولايات المتحدة تحدياً يوجب على الكونغرس إما أن يرفع أو يعلّق سقف الدين الاتحادي تحاشياً لنفاد السيولة لدى وزارة الخزانة هذا العام، يتخطى بعض الخيارات المطروحة الكونغرس، ولكل منها مثالبه، رغم أن مؤيديها يحتجون بأنها أفضل بكثير من أن تعجز الولايات المتحدة عن سداد مستحقات عن سندات الخزانة.
لا تعدو بعض الخيارات المطروحة كونها مجرد محاولات للتحايل على الأزمة، وقد يكون بعضها الآخر غير قانوني، ناهيك عن أن أياً منها لا يبدو ملائماً لتفرُّد الولايات المتحدة بكونها تُصدر الأصل المرجعي العالمي الخالي من المخاطر.
لكن الانقسام الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين في واشنطن حول رفع سقف الدين من 31.4 تريليون دولار، أثار جدلاً بشأن ما يمكن أن تفعله وزارة الخزانة للاستمرار بسداد الفوائد المستحقة على الديون الاتحادية إن بلغت قروضها سقف الاقتراض، ويتوقع محللو "وول ستريت" أن تبلغ الأزمة ذروتها بعد يونيو.
مسكوكة تريليونية
قال داريل دوفي، أستاذ التمويل بجامعة ستانفورد وخبير هيكلة سوق الدين الأميركي: "جميعها تلك أفكار سيئة، لكن مدى سوئها متباين فحسب".
فيما يلي قائمة بالخيارات البديلة المطروحة لتجنب الاصطدام بشأن سقف الدين وتقييم لمخاطرها:
يلقى مقترح بسك وزارة الخزانة عملة بلاتينية جديدة رواجاً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي. يستند المقترح سالف الذكر إلى قانون كان قد صدر في التسعينيات يحدد معايير لما يفترض بها أن تكون عملات قابلة للتحصيل.
ينص القانون على سك العملات البلاتينية وتحديد فئاتها "حسب تقدير وزير الخزانة"، ويبدو ذلك وكأنه سيخول الوزارة سك عملة بقيمة تريليون دولار، على سبيل المثال، يمكنها إيداعها لدى الاحتياطي الفيدرالي لاحقاً. تدور الفكرة حول اعتماد الاحتياطي الفيدرالي رصيداً نقدياً لوزارة الخزانة بنفس المبلغ، فيتيح ذلك لها سداد المدفوعات المستحقة على الديون الأميركية.
رفضت وزيرة الخزانة جانيت يلين هذا المقترح باعتباره "تحايلاً" محضاً، وصرحت لصحيفة "وول ستريت جورنال" بأنه قد لا يقبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي العملة المقترحة حتى كوديعة.
دعونا لا ننسى أن يلين سبق أن رأست الاحتياطي الفيدرالي وتعلم كيفية اتخاذ البنك المركزي للقرارات، قد تجازف محاولة الالتفاف على حد الدين بهذه الطريقة باستقلال الاحتياطي الفيدرالي سياسياً في وقت حساس يكافح فيه لكبح التضخم الجامح.
كان الاحتياطي الفيدرالي قد لعب دوراً رئيسياً في معركة سقف الدين قبلاً، حيث أودعت إدارة الرئيس دوايت أيزنهاور شهادات ذهب لدى الاحتياطي الفيدرالي في 1953 لتوفير مزيد من النقد والوقت للتوصل إلى اتفاق مع الكونغرس بشأن سقف الدين.
قام الحل حينها على استغلال أصول موجودة، كانت في تلك الحالة مخزوناً من الذهب، باعتباره أصلاً غير مربوط، وليس أصلا جديداً تستحدثه وزارة الخزانة عبر سك عملة بلاتينية.
حتى إن قبِل الاحتياطي الفيدرالي بالعملة البلاتينية وديعةً فسيتمخض ذلك عن مصاعب، سيتسبب استحداث الأموال الإضافية بضخ سيولة نقدية تضخمية في النظام المالي، وستنطوي محاولة تطهير النظام على مكائد أكثر تعقيداً، حتى لو نجح كل ذلك، فقد تنذر السابقة بحد ذاتها بسك مزيد من العملات، مما يقوّض الثقة في الائتمان الأميركي.
السندات الممتازة
يحدد القانون سقفاً لإجمالي دين الخزانة الأميركية، لكنه يخول الوزارة سلطة تقديرية واسعة فيما يتعلق بهيكلة تلك الديون، لذا كان إصدار سندات جديدة بعائد ثابت أكبر بكثير من أدوات الدين القائمة بين الأفكار التي روجت لها البرامج التليفزيونية أخيراً.
قد يدفع المستثمرون أسعاراً مرتفعة، أو فرق سعر، لشراء تلك السندات، ثم يمكن للخزانة استغلال فرق السعر لسداد قدر أكبر من مستحقات السندات ذات معدل الفائدة الأدنى.
سيخل هذا النوع من التلاعب المالي بالتزام وزارة الخزانة بإحدى ممارساتها الراسخة فيما يتعلق بإدارة الديون، حيث دأبت على أن تكون "منظمة ومتوقعة".
عمل مسؤولو الوزارة على مدى عقود وفق مبدأ مفاده إعلام الجمهور مسبقاً بنوع الأوراق المالية التي ستطرحها الخزانة للبيع بالمزاد وموعد طرحها وعدد أدوات الدين التي ستُطرح، فبنى ذلك ثقة في تلك الأوراق المالية من جهة، وعزز الطلب عليها من جهةٍ أخرى مع مرور الوقت، كما يضمن هذا حصول الخزانة على التمويل الذي تحتاجه بأقل تكلفة.
سيؤثر التغيير المفاجئ في أعراف إقامة المزادات على كل ذلك بشكل كبير، ما قد يزعزع ثقة المستثمرين بالأوراق المالية الأميركية لفترة طويلة، فضلاً عن جعل الديون أكثر تكلفة.
واجهت وزارة الخزانة انتقادات لاذعة بعدم إعداد الجمهور للتغيير بشكل كاف عندما أعلنت في 2001 عن خطة، ثبت لاحقاً أنها كانت مؤقتة، لوقف بيع سندات لأجل 30 عاماً، بالمثل، قد ينطوي طرح نوع جديد من الديون من شأنه مواجهة طلب غير مؤكد على مخاطر أكبر.
يرى تيم بيتسبيرغر، مساعد وزير الخزانة الأسبق لشؤون الأسواق المالية، أن "التلاعب بإصدار الديون لا يحل المشكلة الكبرى، وهي مشكلة سياسية بالأساس".
قال كينيث تريماين، كبير مسؤولي الاستثمار لدى "أي في أي كابيتال مانجمنت"، الذي ترأس قطاع التمويل لدى بنك "سيتي غروب" بالولايات المتحدة في وقت سابق: "في حين قد يشكل إصدار سندات جديدة خياراً أفضل من سك عملة بلاتينية بقيمة تريليون دولار، إلا أنها ما تزال فكرة سيئة".
تحديد الأولويات
إن أخفق المشرعون في التوافق على رفع سقف الدين، ولم تلجأ الحكومة لأي من الحلول الأخرى، ستواجه وزارة الخزانة معضلة محاولة الامتثال لقوانين أقرها الكونغرس تلزمها بالإنفاق وعدم إصدار مزيد من أدوات الدين في نفس الوقت.
جادل بعض الجمهوريين بأن الإدارة يمكنها ترتيب المدفوعات حسب الأولوية بحيث تضمن مواصلة دفع الفوائد المستحقة إضافةً إلى أصول الديون، وتوزيع استحقاقات الضمان الاجتماعي وتغطية تكاليف الإدارات الرئيسية في الحكومة لتمكينها من الاضطلاع بمهامها.
لكن حكومات متعاقبة احتجت تكراراً بأنها لا تتمتع بالسلطة اللازمة لتنفيذ خطة كهذه، وحتى لو نفذتها وزارة الخزانة فسيكون فعل ذلك على نحو منتظم صعباً جداً في ظل تكتل الإيرادات والنفقات الحكومية، الذي يتجلى في تسجيل فوائض في بعض الشهور وعجوزات كبيرة في أخرى.
يحذّر منتقدو هذا الخيار من أن التخلف عن سداد المدفوعات الأخرى من شأنه الإضرار بمصداقية الولايات المتحدة بشكل خطير، حتى إن استطاعت الحكومة الإيفاء بالتزامات خدمة الدين وفق خطة تحديد الأولويات.
على سبيل المثال، قالت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني أن ذلك "لن يكون متسقاً" مع التصنيف الممتاز (AAA) الذي ما تزال الحكومة الأميركية تحظى به.
كما سيكون لتخلف الخزانة عن الوفاء بالتزاماتها الأخرى أثر اقتصادي موجع لن يقتصر على الضربة المباشرة التي ستقوض الإنفاق الكلي في الاقتصاد الأميركي فحسب، بل ستنحسر مستويات الثقة إن فوجئت الأسر بعدم تلقي الإعانات الفيدرالية التي تتوقعها، ما يعرض البلاد لخطر الانزلاق إلى الركود فوراً.
الاحتكام للدستور
ترى إحدى المدارس الفكرية أن تحديد سقف الدين ينتهك التعديل الرابع عشر لدستور الولايات المتحدة، حيث تنص الفقرة الرابعة على أنه "لا يجوز الطعن في صحة دين عام على الولايات المتحدة أجازه القانون." جادل المدافعون عن القانون بأن التعديل، الذي أقر في أعقاب الحرب الأهلية، يخول الرئيس سلطة سداد جميع ديون الولايات المتحدة.
لكن القضاء لم يفصل في مثل هذه المسألة القانونية. فما الذي يمكن توصيفه بأنه دين أميركي؟ إذ يخصص الكونغرس معظم نفقات الحكومة الشهرية ولا تأتي من مدفوعات العوائد على السندات. فهل ستكون هناك دعوى قضائية للفصل في الأمر؟ وما سيكون قرار المحكمة العليا؟
هل سيصبر حملة السندات حتى البت في انتهاك قانون سقف الدين للتعديل الرابع عشر، وهل سيظلون على ثقة بأنهم سيحصلون على مستحقاتهم في نهاية المطاف مهما حدث؟ أم أنهم سيفزعون ويطالبون بمعدلات فائدة أعلى مع استمرار الجدل القانوني؟
تشير الاضطرابات التي شهدتها السوق على خلفية المواجهات السابقة بشأن تحريك سقف الدين إلى أنها ستعاني مجدداً من اضطرابات شديدة في حال اتخذت وزارة الخزانة أي خطوات لتجاهل السقف القانوني ببساطة، على الأقل على المدى القصير.
كما ستهدد اضطرابات سوق الدين الأميركي، بما لها من تداعيات واسعة النطاق، بزعزعة استقرار الاقتصاد بوجه عام.
كتب مارك زاندي، كبير المحللين الاقتصاديين لدى "موديز أناليتيكس"، في مذكرة حديثة: "سيتساءل المستثمرون بحق عما إذا كانت المحاكم ستأخذ الاحتجاج بالتعديل الرابع عشر لإلغاء قانون تحديد سقف الدين بعين الاعتبار. حتى لو فعلت، فما الذي سيعنيه ذلك بالنسبة لضوابط وتوازنات نظامنا السياسي. ستتسبب الأزمة الدستورية، التي من شأن هذا النزاع القضائي أن يؤججها، ببقاء الأسواق المالية في اضطراب، ومن ثم الانزلاق إلى الركود".
العجز التقني
يمكن لوزارة الخزانة، بعد استبعاد كافة الخيارات الأخرى، إعلام حاملي السندات بأنها ستسدد كامل مستحقاتهم في وقت لاحق فحسب، مع تعليق المدفوعات في الوقت الحالي فيما تنتظر قرار الكونغرس. لكن من شأن ذلك أن يشكل تخلفاً عن السداد من الناحية التقنية.
لن تكون تلك هي المرة الأولى، فقد تخلفت وزارة الخزانة عن سداد مدفوعات بعض أذون الخزانة المستحقة في 1979. لم تعترف الحكومة رسمياً بهذه الواقعة باعتبارها عجزاً عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه مستحقات المستثمرين رغم انطباق التعريف الشائع للعجز عن السداد عليها. كما تسببت الواقعة برفع دعوى قضائية، وأسفرت عن دفع المسؤولين تعويضات لمن تكبدوا خسائر على إثرها.
كانت أبرز تداعيات واقعة 1979 هي ارتفاع تكاليف الاقتراض بأكثر من 60 نقطة أساس لمدة شهر واحد، ولم تتراجع حتى بعد سداد المدفوعات، وفقاً لأحد التحليلات. باتت سوق الدين الأميركي أكبر وأكثر أهمية داخل النظام المالي العالمي منذئذ، لذا يُرجح أن تكون ردة الفعل أكبر بكثير حال حدوث تعثر تقني آخر.
يتوقع معظم المراقبين أن حكومة الولايات المتحدة ستفي بالتزاماتها فيما يتعلق بسداد أي مدفوعات متأخرة في نهاية المطاف، بل إنها ربما تفعل ذلك بسرعة إن عجلت الاضطرابات العالمية الاتفاق بين الحزبين تحت قبة الكونغرس.
غير أن التأخر بالتوصل لهكذا اتفاق من شأنه أن يكبد المستثمرين، الذين لن يحصلوا على مستحقاتهم في الوقت المحدد، والحكومة والاقتصاد العالمي والأسواق تكاليف باهظة.
كتبت ويندي إيدلبيرغ ولويز شاينر من "مؤسسة بروكينغز" في تقييم استعرض رأي الكثيرين: "هذه الحلول البديلة المستبعد تطبيقها لا تتجنب اندلاع الفوضى المتأصلة في قانون سقف الدين الملزم للحكومة. تُعدّ موافقة الكونغرس على رفع سقف الدين، أو بالأحرى إلغاؤه، هي الحل الوحيد الفعال".
إذا كان هناك ما ينبغي أن نتعلمه مما حدث إبان الأزمة المالية في 2008، فهو أن اضطراب السوق الناجم عن سلوك أي من هذه المسارات من شأنه أن يجعل الكونغرس يسارع للموافقة على رفع سقف الدين الفيدرالي.
كان مجلس النواب قد رفض في 29 سبتمبر من ذاك العام خطة إنقاذ بقيمة 700 مليار دولار في منتصف الأزمة المالية، فتراجع مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" 9% تقريباً في ذلك اليوم، بعد أيام قليلة، وافق عدد كافٍ من المشرعين وأجازوا نسخة تضمنت تعديلات طفيفة على الحزمة عينها.