جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2023/03/17
رأي اليوم”- محمود القيعي:
ملأ الإعلان عن إفلاس عدد من البنوك الأمريكية الشهيرة الدنيا ، وشغل الناس، وحاول الخبراء الاقتصاديون قراءة الحدث وتحليل تداعياته، وسط مخاوف من تكرار سيناريو أزمة 2008 التي ذاق العالم وبال أمرها.
ما الذي حدث؟ وأي مصير ينتظر العالم؟
الخبير الاقتصادي عبد الفتاح الجبالي يقول إن انهيار بنك سيليكون فالي الأمريكي، الذى يعد أكبر إفلاس بنك أمريكي منذ سبتمبر 2008 وما تلاه من تداعيات، سواء تمثلت في انهيار بعض البنوك الأخرى أو هبوط وتراجع جميع أسهم القطاع المالي الأمريكي، حقق أسوأ خسارة أسبوعية لها منذ عام 2009، ليعيد للأذهان الأزمة المالية العالمية في عام 2008، والتي اندلعت شرارتها عندما انهار بنك ليمان براذرز وما تلاها من انهيار للمؤسسات المالية الكبرى، الأمر الذى دفع الكثيرين للتساؤل حول إمكان تكرار سيناريو هذه الأزمة؟
ويضيف الجبالي: “ورغم انها لا تخرج عن كونها أزمة مالية ومصرفية لها تداعياتها على الاقتصادات، وكونها لن تكون بخطورة انهيار البورصة الأمريكية عام 1929 التي قادت إلى الركود الكبير، وكذلك أزمة 2008 لوجود العديد من الأدوات المالية والنقدية الجديدة والتي ستمكنها من تجنب حدوث هذه التداعيات.”.
وأشار إلى أن هشاشة النظام المالي العالمي الحالية وموقع الأزمة يجعل الاحتمال قائما، وهو ما دفع صندوق النقد الدولي إلى القول إنه يراقب عن كثب التطورات والمخاطر المالية المحتملة من انهيار بنك سيليكون فالي وتداعياته على الاقتصاد العالمي.
وقال الجبالي إن الأزمة كانت قد بدأت حينما أعلن البنك عن عدم قدرته على الاستمرار في تلبية طلبات المودعين، بعد ان تقدم للبنك طلبات بسحب نحو 42 مليار دولار في يوم واحد، وبذلك تم تجميد نشاط البنك ووضعه تحت سلطة المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع.
ولفت إلى أن البنك من أكبر البنوك العاملة في عالم شركات التكنولوجيا الناشئة، ويمتلك أصولا بنحو 200 مليار دولار، ويستثمر جزءا كبيرا منها (نحو 128 مليار دولار) في سندات الخزانة الامريكية طويلة الأمد وسندات الرهن العقاري، بينما يتركز الجانب الأكبر من الودائع في الودائع الجارية قصيرة الأجل لشركات التكنولوجيا الناشئة.
وتابع قائلا: “ومع سياسة التشديد النقدي من جانب بنك الاحتياط الأمريكي، ورفع سعر الفائدة سبع مرات خلال العام الماضي بدعوى السيطرة على التضخم، وإعلان جيروم باول رئيس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، انه جاهز لتسريع وتيرة رفع أسعار الفائدة إذا اقتضت الحاجة وتأكيده أن ذروة أسعار الفائدة ستكون أعلى من التوقعات السابقة، كل هذه الأمور جعلت السندات قصيرة الأجل أكثر ربحية من طويلة الأجل، وبالتالي فقدت السندات التي اشتراها سيليكون فالي جاذبيتها.”.
وقال إن سياسة رفع الفائدة قد دمرت بيئة عمل الشركات الناشئة التي يخدمها البنك، لذلك قامت هذه الشركات بزيادة معدلات السحب من ودائعها لتغطية نفقاتها التشغيلية، نتيجة لصعوبة حصولها على تمويل من مصادر أخرى، وهو ما دفع البنك الى بيع جزء من أصوله المالية، حيث باع محفظة سندات بنحو 21 مليار دولار بخسارة وصلت الى ملياري دولار، وتضع فيه ودائعها وهو ما يمكن ان يهدد تلك الشركات التي تقود التكنولوجيا في العالم، خاصة أنها ستتأثر كثيرا جدا بهذه الأزمة، وهو ما يمكن ان تمتد بآثارها لتشمل الشركات التكنولوجية الناشئة في جميع انحاء العالم.
وقال إن الأزمة أخذت تضرب جميع جنبات الاقتصاد العالمي، وامتدت بآثارها لتشمل معظم أقطار العالم، بدرجات متفاوتة بالتأكيد، مشيرا إلى أن من المفارقات أن هذه الأزمة تأتى في ظل أوضاع اقتصادية غاية الهشاشة، الأمر الذى يطرح العديد من التساؤلات المهمة، منها: هل يكون وادى السيليكون السبب في أزمة مالية عالمية جديدة؟
وقال إن هذا التساؤل ليس غريبا ، فالجميع يذكر فقاعة دوت كوم التي انفجرت اول القرن الحالي عام 2000، إذ إن القطاع، خاصة شركات التكنولوجيا المالية تسببت في بيئة مواتية من عدم الاستقرار وأصبحت أكثر عرضة للصدمات السلبية السريعة.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن الأزمات المصرفية تنشأ أساسا بسبب التدهور في نوعية الأصول، وأهم مؤشراتها زيادة نسبة القروض الرديئة إلى حافظة البنوك والتقلبات الكبيرة في أسعار الأسهم والعقارات، وغالبا ما تحدث نتيجة للمسارعة الفعلية أو الاحتمالية من جانب البعض لسحب الأموال من البنوك، واحتمال إخفاق هذه البنوك في تلبية هذه المسحوبات مما يؤدى إلى توقف التحويل الداخلي وإجبار الحكومة على التدخل للحيلولة دون حدوث ذلك، من خلال تقديم مساعدات واسعة النطاق، خاصة أنها قد تمتد لتشمل الجهاز المصرفي ككل وكذلك أسواق المال ونظام المدفوعات المحلية.
وقال إنه من هذا المنطلق نلحظ أن الأزمات المالية الدولية ليست ظاهرة حديثة، بل هي ظاهرة قديمة نسبيا، لكنها أخذت في الاتساع والتسارع منذ انهيار نظام الصرف الثابت والقابل للتحويل والذى كان قائما وفقا لاتفاقية بريتون وودز، والدخول في مرحلة التعويم الجماعي للعملات بعد أن تخلت الدول الصناعية الكبرى نهائيا عن هذا النظام، وفقا لاتفاقية جامايكا 1976، فمنذ ذلك التاريخ دخل النظام المالي والنقدي العالمي في مراحل متتالية من الأزمات، الأمر الذى يشير إلى أن هذه الأزمات ليست سمة تنفرد بها النظم الاقتصادية الحالية دون غيرها من النظم التاريخية السابقة.
وخلص إلى أنه رغم ذلك فإنه لا يمكن اعتبار الأزمة المالية الحالية جزءا من سلسلة من الأزمات التي انتشرت أخيرا وأصبحت تحدث على مدى زمنى قصير نسبيا ومتقارب، بل هي أعمق وأعقد من ذلك بكثير، خاصة أن مركز الأزمة هي الولايات المتحدة الأمريكية ذات الثقل الكبير في الاقتصاد العالمي من حيث كونها أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج، وأيضا أضخم سوق مالية.
ونبه أن هذه الأزمات قد أصبحت تكلف الجهاز المصرفي خسائر مالية كبيرة، مشيرا إلى أنه رغم أن الأزمة الحالية هي أزمة مصرفية ومالية، فإن الخوف ان تمتد بآثارها إلى العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى، كنتيجة للسلوك الطبيعي للأسواق المالية في مواجهة الصدمات، والذى يتسم بالاستسلام لحالة الذعر العام، واتباع سلوك القطيع بشكل غريزي، ومن ثم تفتقد الأسواق- حسب رأيه- قدرتها على التمييز بين الاقتصادات التي تتمتع بعوامل اقتصادية سليمة وقوية، والأخرى التي لا تتمتع بهذه العناصر.
الرأسمالية
في ذات السياق يرى الدكتور رضا عبد السلام أن إعلان عدد من البنوك الأمريكية إفلاسها هو أحد تجليات الرأسمالية، حين تأكل البنوك الكبيرة البنوك الصغيرة.
ويضيف أن ما حدث درس يجب على الجميع أن يتعلم منه، وهو: لا قيمة لدولة دون إنتاج.
وقال إن الدول الضعيفة في هذا العالم يجب أن تعتبر مما يحدث، داعيا إلى معالجة الخلل في منظومة الإنتاج.
هل حرب روسيا على أوكرانيا سبب؟
من جهته تساءل السفير محمد مرسي عن الأسباب الحقيقية لإعلان إفلاس البنوك الأمريكية: أهي أزمة مالية جديدة؟ أم نتيجة دعم أوكرانيا بأمل هزيمة روسيا ؟ وما تداعيات ذلك على العالم وعلينا؟
لعبة سياسية
عدد من المراقبين ذهبوا إلى أن امريكا تضرب الاقتصاد العالمي في مقتل، محذرين من تأثيرات خطيرة في الأيام القادمة على الاقتصاد العالمي.
آن للكيانات الصغيرة أن تتحد، اللافت كان في دعوة البعض إلى تحالف الكيانات الصغيرة لمواجهة الرأسمالية العالمية التي أظهرت منذ سنوات وجهها القبيح، مؤكدين أنه آن لضعفاء العالم أن يتحدوا.