جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2025/03/12
منذ عام 2020، شهد العالم ظاهرة مقلقة تمثلت في تزايد حالات التخلّف عن سداد الديون بالعملات الأجنبية، إذ سجلت 15 حالة من هذا النوع، ما يمثل أكثر من ثلث إجمالي حالات التخلّف عن السداد التي حدثت منذ عام 2000، بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي – تقرير مستجدات الديون.
وهذه الظاهرة تُبرز التحديات الكبيرة التي تفرضها الديون على الاقتصاد العالمي عموماً، وعلى اقتصادات البلدان النامية خصوصاً، والتي غالباً ما تواجه صعوبات في إدارة أزماتها المالية.
ما أبرز الأسباب؟
هذه الظاهرة لم تكن موجودة بالصورة نفسها في القرن الماضي أو في تسعيناته، عندما كان يتم الاعتماد على برامج التكيّف الهيكلي التي يديرها البنك الدولي والدول المانحة، لتقديم المساعدات المالية على شكل قروض أو منح الى دول تعاني من أزمات اقتصادية. وعادةً ما كانت هذه المساعدات تُقدّم بسرعة، سواء نتيجة لتغييرات سياسية مفاجئة، مثل الانقلابات أو وصول سلطات جديدة، أو بسبب الأزمات المالية والكوارث الطبيعية. ومع ذلك، لم يكن لهذه الأزمات تأثير واسع النطاق، إذ كانت تحدث بشكل فردي ومُتفرّق.
لكن، مع نهاية العقد الثاني من القرن الحالي، ظهرت ظاهرة جديدة تمثلت في عجز بعض الدول عن سداد ديونها. يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور خلدون عبد الصمد هذا التحول في حديث الى “النهار”، قائلاً: “شهدنا تغييرات كبيرة في نوعية الأزمات التي واجهتها الدول، حيث أصبح انخفاض الإيرادات الاقتصادية أحد الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة. على سبيل المثال، في لبنان، انسحب بعض الدول من تقديم الدعم، وتفاقمت الأزمات الاقتصادية، وتوقف بعض القطاعات عن العمل، إلى جانب إغلاق المصارف، ثم جاءت جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت، مما دفع الحكومة اللبنانية إلى إعلان عدم قدرتها على سداد الديون”.
تأثير الأزمات العالمية على الديون
على رغم أن الأزمة اللبنانية كانت نموذجاً لأزمات مالية أخرى شهدها العالم، إلا أن هناك دولاً أخرى واجهت تحديات مشابهة، مثل الأرجنتين وفنزويلا واليونان وبعض الدول العربية، التي تواجه صعوبات مماثلة في إدارة أزماتها المالية. كذلك أضافت الحرب بين روسيا وأوكرانيا أعباء جديدة على هذه الدول، إذ تواجه أوكرانيا صعوبات في سداد ديونها نتيجة الأوضاع الأمنية المتدهورة، بينما تعاني روسيا من العقوبات الاقتصادية الغربية.
تفاقم أزمة الديون جراء هذه الأزمات العالمية يعود إلى تداخل الأبعاد الاقتصادية مع الأبعاد الأمنية والسياسية. فلم تعد الدول قادرة على تحقيق الإنتاج الكافي لتغطية احتياجاتها الأساسية، فكيف يمكنها من ثم سداد قروضها؟ كما أدى التدفق الهائل للمساعدات العسكرية إلى أوكرانيا إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، مما يجعل من الصعب على الدول مواجهة هذه الضغوط.
التغييرات في الاقتصاد العالمي
أصبحت التحديات الاقتصادية أكثر تعقيداً مع التحولات الكبرى في الاقتصاد العالمي، إذ انتقلنا من الاعتماد على الدول الكبرى كقوى اقتصادية رئيسية إلى هيمنة الشركات الكبرى والتكتلات الاقتصادية الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي ومبادرة الحزام والطريق بقيادة الصين. هذا التحول نحو الاقتصاد الرقمي، واعتماد الأصول الرقمية، أثر بشكل كبير على العملات المحلية وأدى إلى تغييرات كبيرة في طبيعة الاقتصاد العالمي.
في هذا السياق، يضيف عبد الصمد: “التوترات بين القوى الاقتصادية، سواء كانت دولاً أو تكتلات اقتصادية أو شركات كبرى، تساهم في زيادة الضغوط على الدول، مما يجعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية الداخلية والخارجية، وهذا يؤدي إلى مزيد من الأزمات”.
حلول محتملة
في ظل هذه الظروف الصعبة، أصبح من الشائع فرض العقوبات الاقتصادية على الدول المدينة، مما دفعها إلى البحث عن حلول جديدة، مثل إعادة هيكلة الديون أو التفاوض على شروط أكثر مرونة مع الجهات الدائنة. ومع ذلك، يظل الوضع معقداً، بحيث تختلف التحديات من دولة إلى أخرى. لبنان يواجه مشكلات مختلفة عن أوكرانيا وروسيا، وكذلك الأرجنتين واليونان وفنزويلا، ولكل منها وضعها الاقتصادي والسياسي الفريد.
عموماً، فإن التخلّف عن سداد الديون يترك أثراً كبيراً على الاقتصاد العالمي، ويدفع المؤسسات المالية الكبرى مثل البنك الدولي إلى إعادة تقييم سياساتها حيال منح القروض. ويقود هذا بدوره الدول التي تعاني من الأزمات المالية إلى الاعتماد بشكل أكبر على الدول الصديقة أو المتحالفة معها للحصول على تسهيلات ائتمانية بفترات سداد أطول وشروط أقل صرامة، مع تقديم جزء من المساعدات على شكل منح.
في الختام، إن ظاهرة التخلّف عن سداد الديون تعتبر بمثابة جرس إنذار للاقتصاد العالمي، الذي يواجه تحديات معقدة ترتبط بالديون والسياسات المالية العالمية. يتعين على الدول والمؤسسات المالية الكبرى العمل بشكل مشترك لإيجاد حلول مستدامة لهذه الأزمة، مع التركيز على إعادة الهيكلة الشاملة للديون وتقديم المساعدات بطرق مرنة وآمنة لتفادي تفاقم هذه الأزمة التي قد تضر بشكل كبير بالاقتصادات العالمية، خصوصاً في البلدان النامية.
المصدر- النهار