تقارير وبحوث

  • شارك:

رسملة الدين العام.. كيف تؤثر على الموازنة والسياسات المالية والنقدية؟


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2025/09/02

 

مع استمرار ارتفاع الفوائد لفترة أطول وتراجع هوامش النمو، تتزايد كلفة خدمة الدين في معظم الاقتصادات، ما يلتهم حصة متنامية من الإيرادات العامة ويقلّص المساحة المالية المتاحة لصنّاع القرار.
ويُحذّر كل من صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وبنك التسويات الدولية من أن الدين العام العالمي سيظل مرتفعاً، وقد يصل إلى نحو 100% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول هذا العقد، ما لم تُعتمد أطر متوسطة الأجل أكثر صرامة لإدارة المالية العامة، إلى جانب إصلاحات تعزز النمو والإنتاجية.
ماذا تعني رسملة الدين العام؟
تعني «رسملة الدين» أن الحكومات تموّل عجزها وخدمة فوائدها بالاستدانة المتواصلة، فتتحوّل الفوائد المُرحّلة إلى رصيد دين أكبر، وتصبح كلفة خدمة الدين عنصراً رأسمالياً دائماً في الموازنة.
وتتسارع الديناميكية تلقائياً حين ترتفع الفوائد الحقيقية فوق نمو الاقتصاد (فرق r–g يصبح موجباً)، حتى من دون عجز أو صدمات جديدة.
تظهر أدلة صندوق النقد على أن توقّعات الدين العام تتسرّب مباشرة إلى عوائد السندات الآجلة، أي أن الأسواق تُسعّر المخاطر المالية قبل وقوعها، ما يرفع الكُلفة اليوم لا غداً.
عبء خدمة الدين الخارجي
تشير الأونكتاد إلى أن خدمة الدين الخارجي للدول النامية بلغت 487 مليار دولار في عام 2023، وأن نصف هذه الدول يدفع الآن ما لا يقل عن 8.6% من إيراداتها العامة لخدمة الدين الخارجي، أي ما يقارب ضعف النسبة المسجلة عام 2010.
ويكشف البنك الدولي أن اللجوء إلى الاقتراض خارج الموازنة وتعقيد ترتيبات الديون يصعّب تقييم المخاطر ويؤخر اتخاذ المعالجات، ما يجعل الشفافية شرطاً أساسياً لأي إصلاح.
كما أصبحت إعادة هيكلة الديون أكثر تعقيداً نظراً لتعدد الدائنين، بما في ذلك القطاع الخاص والصناديق والدائنون غير التقليديين.
الضغط المالي يغيّر أولويات الإنفاق
يبيّن «فيسكال مونيتور» أن خدمة الدين تستهلك حصة متنامية من الإيرادات في العديد من الدول، وأن السيطرة على الدين أو تقليله تتطلب "تعديلات مالية أكبر بكثير" مما يتم الإعلان عنه حالياً.
ويترتب على ذلك إما فرض زيادات ضريبية واسعة أو تقليص حجم الاستثمار العام والإنفاق الاجتماعي، إلا إذا أولت الحكومات أولوية لإعادة ترتيب الإنفاق وحماية البنود الإنتاجية.
كما تحذّر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن تقلبات أسعار الصرف وانخفاض شهية المستثمرين للمخاطرة قد تزيد كلفة الاقتراض السيادي وتقلّص المساحة المالية المتاحة، ما يحدّ من خطط الاستثمار طويلة الأجل.
استراتيجيات إدارة الدين للحد من المخاطر
يمكن تقليل مخاطر خدمة الدين من خلال إطالة متوسط الاستحقاق وتنويع قاعدة المستثمرين لتخفيف مخاطر إعادة التمويل عند ذرى العوائد، كما يُنصح بتطوير أسواق الدين المحلية لتقليل مخاطر العملة وتقلبات التدفقات.
كما يمكن استخدام أدوات طارئة مرتبطة بالناتج أو بالكوارث، مثل بنود تعليق خدمة الدين عند الصدمات، لتحسين توزيع المخاطر.
ويشدد البنك الدولي على ضرورة الشفافية في دين «القنوات الموازية» والإفصاح عن كل قرض على حدة، لتسريع الحلول وتقليل علاوة المخاطر، بالإضافة إلى ذلك، يجب تنسيق السياسات النقدية والمالية بما يوازن بين استقرار الأسعار واستدامة الدين، مع مراعاة تحذيرات BIS من مخاطر الاعتماد على التضخم لتقليص الدين الحقيقي.
هيمنة الدين على السياسة النقدية

مع ازدياد عبء الفوائد، يزداد الضغط السياسي على البنوك المركزية للقيام بتيسير نقدي أسرع.
ويحذر بنك التسويات الدولية من أن التيسير تحت وطأة الدين قد يؤدي إلى تعزيز التضخم ويهدد الاستقرار المالي، خصوصاً إذا صاحبت ذلك خسائر في محافظ الدين العام لدى النظام المالي.
بعبارة أخرى، أي محاولة لمعالجة عبء الدين عبر التضخم أو التحكم الإداري في العوائد قد تنقلب إلى نتائج عكسية، وفقاً لتقارير البنك.
عوامل تغيير المسار نحو الاستدامة
تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن تقليص حالة عدم اليقين وتوسيع الإصلاحات المؤسسية قد يعيدان تنشيط الاستثمار ويعززان إمكانات النمو. 
وترى بعض الجهات داخل صندوق النقد الدولي أن استعادة الثقة تتطلب مزيجاً من استقلالية نقدية، وأطر مالية موثوقة، وتواصل شامل مع الجمهور يوضح تكلفة الخيارات المختلفة.
وعند تحقيق ذلك، يتراجع منحنى العائد، وتنخفض كلفة خدمة الدين، ويستعيد صانعو السياسات مرونتهم في اتخاذ القرارات.
رسملة الدين عامل مهيمن على السياسات
في النهاية، ليست رسملة الدين العام مجرد مسألة محاسبية، بل تشكّل قوة أساسية تحدد السياسات المالية والنقدية، فكل زيادة بنسبة نقطة مئوية في العائد تعيد تشكيل الموازنة وتؤثر على قرارات الضرائب والإنفاق والسياسة النقدية بشكل مختلف تماماً عما كان مخططاً له.
والطريق الآمن يكمن في تبني إصلاحات نمائية تحمي الاستثمار المنتج، وأطر مالية موثوقة توجه السياسات، وشفافية في إدارة الدين تقنع الأسواق، بالإضافة إلى تنسيق نقدي ومالي يحافظ على استقرار الأسعار دون مساومة.

سي ان ان الاقتصادية

جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP