مقابلات ومقالات

  • شارك:

رقائق الذاكرة.. سلاح قوي في معركة الذكاء الاصطناعي


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2025/09/07

 

كريستيان ديفيز
داخل أروقة مصنع «إم 14»، المنشأة العملاقة لتصنيع الرقائق الإلكترونية التابعة لشركة «إس كيه هاينكس»، يتنقّل العمال ببدلات غرف نظيفة بيضاء وزهرية وزرقاء بين صفوف الآلات الدقيقة، بينما يتحرك نحو 700 روبوت على قضبان معلقة في السقف، حاملين رقائق السيليكون بين مراحل التصنيع المختلفة.
يقع هذا المصنع ضمن المجمع الرئيسي للشركة في مدينة إيتشون في كوريا الجنوبية، حيث يختص بإنتاج رقائق الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي (HBM)، القادرة على نقل بيانات تعادل 200 فيلم طويل في الثانية الواحدة.
ولطالما اعتُبرت رقائق الذاكرة «الحلقة المهمَلة» في صناعة أشباه الموصلات لعقود، إذ خطفت الأضواء من رقائق المعالجة التي تصممها شركات مثل إيه إم دي وكوالكوم وإنفيديا وتي إس إم سي، والمكرسة للعمليات الحسابية والتحكم بعمل الأجهزة الإلكترونية.
لكن مع بروز تصاميم رقائق الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي، ولا سيما الجيل الثالث المحسّن الذي يُنتجه مصنع إيتشون، أخذت ملامح الصناعة تتغير جذرياً.
وقال تشوي جون يونغ، نائب الرئيس ورئيس تخطيط أعمال ذاكرة النطاق الترددي العالي في «إس كيه هاينكس»: إن الأولويات في ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية التقليدية كانت تتركز سابقاً على التكلفة قبل الطاقة والأداء، لكن مع ذاكرة النطاق الترددي العالي تغيّرت المعادلة، لتصبح الطاقة والأداء في المقدمة متفوّقَين على اعتبارات التكلفة.
وتسهم هذه الرقائق في تمكين مطوّري نماذج اللغة الكبيرة من تجاوز ما يعرف بـ«جدار الذاكرة»، الناتج عن محدودية التخزين واسترجاع البيانات التي تعيق تحسين الأداء، كما تؤدي دوراً محورياً في رفع الكفاءة وخفض التكاليف في آلاف مراكز البيانات الجاري إنشاؤها عالمياً.
وتصاعدت أهمية الذاكرة في الذكاء الاصطناعي، ما وضع هذا القطاع في صلب المنافسة المتزايدة بين واشنطن، الساعية لتقييد وصول الصين إلى التكنولوجيا المتقدمة، وبكين التي تطوّر قطاعاً محلياً لأشباه الموصلات تأمل أن يضاهي منافسيها العالميين.
وأدت هذه التحولات إلى إعادة تشكيل خريطة القوى التقليدية في الصناعة، حيث ارتفعت إيرادات «إس كيه هاينكس» من ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية، التي تعد ذاكرة النطاق العالي أحد أنواعها المتخصصة، من 7.5 تريليونات وون (5.4 مليارات دولار) في الربع الثاني من 2021 إلى 17.1 تريليون وون في الفترة نفسها من 2025، متجاوزة إيرادات منافستها التاريخية «سامسونغ» للمرة الأولى منذ أن دخلت الشركتان الكوريتان مضمار المنافسة في سوق الذاكرة خلال ثمانينيات القرن الماضي.
وقال كريس ميلر، الأستاذ المشارك في جامعة تافتس ومؤلف كتاب «حرب الرقائق»: إن مجرد تخيل تفوق «إس كيه هاينكس» على «سامسونغ» كان ضرباً من المستحيل قبل خمس سنوات فقط.
وتابع: «منذ عقود كان واضحاً أن طبيعة سوق الذاكرة كسلعة تجعل تحقيق أرباح استثنائية أمراً بالغ الصعوبة، ما دفع عقولاً لامعة ورواد أعمال طموحين، مثل جينسن هوانغ، مؤسس «إنفيديا»، وإروين جاكوبس من «كوالكوم»، إلى التركيز على رقائق المعالجة. أما الآن، فالذاكرة تعود إلى الواجهة».
وقد بدأت «إنتل» مسيرتها في الستينيات كشركة لإنتاج رقائق الذاكرة، لكنها انسحبت من قطاع ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية في الثمانينيات، تحت ضغط المنافسة الشديدة من العملاقين اليابانيين «توشيبا» و«إن إي سي»، غير أن «توشيبا» و«إن إي سي» خسرتا موقع الصدارة في تسعينيات القرن الماضي لصالح «سامسونغ» ووحدة رقائق الذاكرة التابعة لـ«هيونداي للإلكترونيات»، التي أصبحت تعرف لاحقاً بـ«هاينكس» قبل أن تستحوذ عليها مجموعة «إس كيه».
ومنذ ذلك الحين، سيطرت الشركتان الكوريتان إلى جانب «ميكرون» الأمريكية على الحصة الكبرى من هذا القطاع الحيوي.
وحتى وقت قريب، كانت «سامسونغ» اللاعب الأول بلا منازع في سوق رقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية، وهو سوق يعد سلعيّ الطابع، وتُستخدم فيه هذه الرقائق لتخزين البيانات مؤقتاً أثناء تشغيل المعالجات. واستفادت «سامسونغ» من حجمها الكبير للاستثمار في تعزيز الطاقة الإنتاجية خلال فترات الركود الدوري التي تمر بها الصناعة.
ويقول تشوي: بينما هيمنت على السوق تقنيات ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية ورقائق «ناند» منخفضة القيمة، التي تحتفظ بالبيانات لفترات طويلة دون استهلاك طاقة؛ كانت الشركات في الوقت نفسه تستكشف منتجات أكثر تخصصاً.
ومن بين هذه التجارب برزت رقائق ذاكرة النطاق الترددي العالي التي بدأت «هاينكس» تطويرها عام 2013، وتعتمد على تكديس وحدات من رقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية، متصلة بأسلاك نحاسية لا يتعدى سمكها عُشر سمك الشعرة البشرية، في تركيب يشبه مكتبة متعددة الطوابق مزودة بمصاعد تنقل الكتب بين الأدوار بسرعة.
وبحسب تشوي، فإن هذه البنية المبتكرة تتيح لرقائق ذاكرة النطاق الترددي العالي توفير 1024 مساراً لتبادل البيانات مع المعالج، مقارنة بـ64 مساراً فقط في رقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية المتطورة التقليدية.
وأوضح راي وانغ، كبير محللي أشباه الموصلات في شركة «فيوتشرم» الاستشارية، أن تفوق «هاينكس» في سباق ذاكرة النطاق الترددي العالي يعود لاعتمادها المبكر لتقنية الربط المتقدمة «MR-MUF»، التي تستخدم مادة عازلة خاصة من الراتنج.
وتمنع هذه التقنية تسرب الحرارة وتحافظ على تماسك الطبقات المتراصة، وهو أمر بالغ الأهمية عند تكديس ما يصل إلى 16 رقاقة من رقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية فوق بعضها.
وأبرمت «هاينكس» عقداً حصرياً مع شركة «ناميكس» اليابانية لتوفير هذه المادة، ما اضطر كلاً من «سامسونغ» و«ميكرون» إلى استخدام عمليات تصنيع أقل كفاءة، تتطلب درجات حرارة مرتفعة وضغطاً شديداً، وهي ظروف قد تتسبب في تشقق طبقات السيليكون وزيادة معدلات فشل الرقائق.
وأسهم تفوق منتج «إس كيه هاينكس» في ترسيخ مكانتها كمورّد أساسي لرقائق ذاكرة النطاق الترددي العالي لشركة «إنفيديا»، ما أتاح لها الاستفادة من الزخم الكبير الذي رافق الطفرة غير المسبوقة في الطلب على رقائق الذكاء الاصطناعي بعد إطلاق «شات جي بي تي» أواخر عام 2022.
وشهدت حصة ذاكرة النطاق الترددي العالي من إجمالي إيرادات «هاينكس» من ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية قفزة هائلة، من نحو 5% فقط في الربع الأخير من 2022، وفقاً لأبحاث بيرنشتاين، لتصل إلى أكثر من 40% بحلول الربع الأول من 2025.
ويشير مايرون شيه، من شركة الاستشارات «سيمي أناليسس»، إلى أن رقائق الجيل الثالث المحسّن من ذاكرة النطاق الترددي العالي التي تنتجها ميكرون قد اجتازت الآن اختبارات التأهيل الصارمة لاستخدامها في رقائق إنيفيديا المتقدمة للذكاء الاصطناعي، في حين أن النسخة المقابلة من سامسونغ لا تزال قيد التقييم.
ويقول أشخاص مطّلعون على الوضع داخل «سامسونغ»: إن شريحة الجيل الثالث المحسّن من ذاكرة النطاق الترددي العالي الخاصة بها على وشك اجتياز اختبارات «إنيفيديا» في أي لحظة.
إلا أنهم يقرّون أيضاً بأن «سامسونغ»، بوصفها اللاعب المهيمن في سوق كان يُنظر إليه حتى وقت قريب على أنه سوق سلعي الطابع، لم تكن مستعدة لاحتياجات شركات الذكاء الاصطناعي التي تتطلب حلولاً مخصصة من الذاكرة مصممة بدقة لتلبية متطلباتها التقنية الخاصة.
ويضيف شيه: «تواجه سامسونغ صعوبات حتى في المهام الأساسية، مثل إنتاج رقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية المتقدمة التي تشكل الطبقات الأساسية لذاكرة النطاق الترددي العالي»، مضيفاً: «لقد أبلت مايكرون بلاء حسناً في هذا المجال، ولكن من المؤسف حقاً لشركة بحجم سامسونغ أن تجد نفسها في المركز الثالث». ويقول كريس ميلر: «كانت سامسونغ مهيّأة لعصر الهواتف الذكية، لا لعصر الذكاء الاصطناعي.
أعتقد أن الشركة بأكملها واجهت صعوبة في تخيّل عالم لم تعد فيه الهواتف الذكية المنتج المهيمن».
وقد أثبتت هذه الكبوة أنها باهظة التكلفة، إذ يشير بيتر لي، محلل أشباه الموصلات المقيم في سيول والتابع لمجموعة «سيتي جروب»، إلى أن رقائق ذاكرة النطاق الترددي العالي تحقق هوامش ربح تتراوح بين 50% و60%، مقارنة بنحو 30% فقط لوحدات ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية التقليدية.
ونظراً لأن كل رقاقة من رقائق ذاكرة النطاق الترددي العالي تتطلب تصميماً مخصصاً ليتناسب مع وحدة معالجة الرسومات المحددة للذكاء الاصطناعي المرتبطة بها، يجب على العملاء تقديم طلباتهم قبل عام كامل من الإنتاج، وعادة ما تكون هذه الطلبات بموجب عقود سنوية.
ويضيف لي: «هذا الأمر يمنح شركات الذاكرة قوة تفاوضية أكبر بكثير على العملاء المحتملين مقارنة ببيع ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية التقليدية، التي يمكن شراؤها بإشعار مسبق قبل شهر أو حتى يوم واحد، واستبدالها بسهولة بمنتجات شركات منافسة».

البيان
 

جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP