مقابلات ومقالات

  • شارك:

من الرؤية إلى الواقع.. الشمول المالي في اليمن: التحديات والفرص في بيئة اقتصادية غير مستقرة


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2025/10/06

 

اعداد وتقديم/ أ/ أسامة محمد الشوخي *

مفهوم الشمول المالي
يشير الشمول المالي مفهوم الشمول المالي الى أن الأفراد والشركات لديهم إمكانية الوصول إلى منتجات وخدمات مالية مفيدة وميسورة التكلفة تلبي احتياجاتهم المعاملات، والمدفوعات، والادخار، والائتمان، والتأمين — يتم تقديمها بطريقة مسؤولة ومستدامة.. على الصعيد العالمي، انتقل الشمول المالي من كونه قضية هامشية في السياسات إلى معيار أساسي لتقييم مدى مرونة وشمولية الأنظمة المالية، وتعتبره مجموعة البنك الدولي عاملاً حاسماً لتحقيق سبعة من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، لا سيما تلك التي تستهدف الحد من الفقر، والمساواة بين الجنسين، والنمو الاقتصادي (البنك الدولي، 2022)، فالوصول إلى الخدمات المالية يمكّن الأسر من الادخار بأمان، وتيسير الاستهلاك، والاستثمار في التعليم أو المشاريع، وإدارة المخاطر، وتحمل الصدمات الاقتصادية.
وفي الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات مثل اليمن، تكتسب مسألة الشمول المالي أهمية مضاعفة. فهي تتيح توزيع المساعدات الإنسانية، وتدعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، وتعزز المشاركة الاجتماعية والاقتصادية نوعا ما وعلى نطاق أوسع مما يسهم في إعادة بناء الثقة بالمصارف والمؤسسات المالية، كما أن إضفاء الطابع الرسمي وبشكل بارز على الاقتصاد، يساعد على تعزيز وتسهيل الخدمات للمجتمع وجميع ما سبق عناصر أساسية للتعافي المالي الشامل ولو تدريجياً ضمن مساق وسياق لفترة ما بعد النزاع الراهن باليمن.
 الوضع الحالي في اليمن
لا تزال اليمن واحدة من أكثر الدول استبعاداً مالياً في العالم، وهو ما يعكس سنوات من الصراع، وضعف القطاع المصرفي والمالي، بخلاف العوائق والحواجز الثقافية المصرفية.
معدلات الوصول والاستخدام للخدمات المصرفية: اعتباراً من عام 2025، لم يكن سوى 6.4٪ من البالغين اليمنيين يمتلكون حساباً في مؤسسة مالية أو لدى مزود خدمات الأموال عبر الهاتف المحمول— وهو أقل بكثير من المتوسط الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا البالغ 44٪، ويشير البنك المركزي اليمني إلى أن واحداً فقط من بين كل 20 يمنياً قد تعامل يوماً مع النظام المصرفي الرسمي، ويعتمد معظم السكان بدلاً من ذلك على المعاملات النقدية، وشبكات الحوالة، أو مجموعات الادخار غير الرسمية.
الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية: الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية عميقة. فالمقيمون في مدن مثل صنعاء وعدن وتعز قد يتمكنون من الوصول إلى البنوك والمؤسسات المالية ومؤسسات التمويل الأصغر، لكن أكثر من 70٪ من المجتمعات الريفية تفتقر حتى إلى المرافق المالية الأساسية والتي يغطي هذا النقص في بعض الأحيان شركات الصرافة والصرافين، أضف لذلك تفاقم البنية التحتية السيئة، والطرق المتضررة، والتغطية المحدودة للاتصالات.
•قله تشجيع قطاع المرأة: المرأة ما أكثر ما يعانينه بشكل خاص ، إذ لا تمتلك سوى 2–3٪ من النساء اليمنيات حساباً بنكياً مقارنةً بنحو 9٪ من الرجال وتشمل الحواجز والقيود الثقافية اكبر عائق لذلك، وغياب السياسات المحفزة نحو تشجيع المراءة "سياسات النوع الاجتماعي" للوصول للخدمات المصرفية واستخدامها.
 التحديات التي تواجه الشمول المالي في اليمن 
أ. الظروف الأمنية والاقتصادية والسياسية: أدى الصراع المطول منذ عام 2015 إلى تآكل النظام المالي، أغلقت العديد من البنوك فروعها في المناطق غير الآمنة، كما أن انخفاض قيمة العملة والتضخم قد قللا من ثقة الجمهور في البنوك.
ب. ضعف البنية التحتية المالية والتكنولوجية: يعمل القطاع المصرفي في اليمن بأنظمة قديمة، وشبكة محدودة جداً من أجهزة الصراف الآلي ونقاط البيع، ومنصات رقمية مصرفية شبه معدومة، وتظل نسبة انتشار الإنترنت عند حوالي 27٪ ، مما يحد من  انتشار المحافظ الإلكترونية والخدمات المصرفية الرقمية ، وقد أدى التنازع السياسي للمزيد من الضعف لهذه البنية.

 الفرص المتاحة لتوسيع الشمول المالي
على الرغم من التحديات الكبيرة، تلوح في الأفق بعض الفرص التي شكلتها ظروف وواقع المصرفي اليمني، وتتمثل هذه الفرص في:
أ. الخدمات المالية والمصرفية الرقمية: أصبحت تتوسع خدمات المحافظ الإلكترونية التي صارت تقدمها العديد من البنوك وأيضا مؤسسات المالية والتمويل الأصغر مثل "محفظتي لبنك التضامن " وخدمة "كريمي جوال"، "جوالي"، "كاش ون"، والتي قدمت العديد من المعاملات غير نقدية، ودفع الفواتير، والتحويلات دون الحاجة إلى حسابات مصرفية. يمكن لهذه المنصات سد فجوة الوصول، خاصة في ظل الانتشار العالي للهواتف المحمولة، حتى في المناطق الريفية.
ب. ازمة السيولة النقدية: تمثل ازمة السيولة النقدية وشحتها نظرا لتلف اغلب الكتلة النقدية الراهنة المتداولة بين المواطنين.. فرصه مشجعه لتوجه الناس نحو تعزيز تعاملهم من خلال المدفوعات الرقمية التي تقدمها المحافظ الالكترونية للبنوك والمؤسسات المالية وهذا بحد ذاته توظيف رائع للخروج من رحم الازمه بحل مثالي.. يساعد على تلبيه احتياجات الناس عموما.
التوصيات العملية 
تحفيز البنوك وشركات التكنولوجيا المالية: تقديم إعفاءات ضريبية أو دعم مالي للبنوك التي تخدم الفئات المحرومة. تشجيع الشراكات بين شركات الاتصالات والتكنولوجيا المالية لتوسيع النظم البيئية للهاتف المحمول.
إطلاق استراتيجية وطنية للشمول المالي: بوضع أهداف قابلة للقياس (مثل رفع نسبة امتلاك الحسابات إلى 20٪ بحلول عام 2030)، وتوحيد سياسات البنك المركزي اليمني، ومواءمة الجهود مع برامج المانحين.
تعزيز الثقافة المالية المصرفية: عبر المساجد، وبرامج المجتمع على مستوى الحارات والشراكة مع المنظمات غير الحكومية لتدريب البالغين على إعداد الميزانيات، والادخار، والسلامة الرقمية.
إعطاء الأولوية للنساء والفئات الضعيفة: تطوير منتجات تراعي سياسة النوع الاجتماعي، وحملات التوعية الموجهة نحو القطاع النسائي خصوصا لمعالجة أوجه عدم الاستبعاد للمرأة.
الخاتمة 
بالنسبة لليمن، فإن الشمول المالي ليس خياراً بل ضرورة. ففي ظل الصراع وعدم الاستقرار الاقتصادي، يوفر الشمول المالي مساراً ويشكل اداه تخدم افراد المجتمع ، وتسهل خدمة ونمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإعادة بناء الثقة للمصارف والمؤسسات المالية ، ومن خلال الاستثمار في التقنيات الرقمية، والتمويل الأصغر، ووضع السياسات الشاملة، والاستراتيجيات الوطنية، يمكن لليمن أن يُحوّل تدريجياً حالة الاستبعاد المالي إلى مشاركة فعالة في الاقتصاد الوطني، وكما اثبتت التجارب العالمية أن حتى الدول الهشة يمكن أن تحقق تقدماً ملحوظاً إذا ما تم دفعها لمعالجة مشاكلها بحلول نابعه من واقع بيئتها وبما يساعد ويخفف مما تعانيه من تلك المشاكل والمعوقات وتكييف تلك الحلول واصلاحها محلياً، وتنسيقها بشكل جيد، وتنفيذها بعدالة، "إن الشمول المالي، إذا سُعي إليه بجدية والتزام، قادر على أن يحوّل رؤية الصمود والتعافي إلى واقع ملموس لليمن. فكلما ازدادت إرادة أبناء المجتمع في إيجاد الحلول من رحم معاناتهم، كانوا بحق صُنّاع مستقبلهم، يمهّدون الطريق لشمول مالي أوسع وأشمل لهم ولأجيال الغد."
* بنك التضامن – فرع شارع هائل
المراجع:
-World Bank (2022). Global Findex Database 2021: Financial Inclusion, Digital Payments, and Resilience in the Age of COVID-19. Washington, DC: World Bank.
https://documents.worldbank.org/en/publication/documents-reports/documentdetail/099833507072223098
-Hebah, A., & Tamim, K. (2025). Assessing Factors Affecting E-Wallets Acceptance and Usage in Yemen. ، رسالة ماجستير، الجامعة اللبنانية الدولية – صنعاء، بإشراف د. كمال تميم). https://www.researchgate.net/publication/393149678_ASSESSING_FACTORS_AFFECTING_E-WALLETS_ACCEPTANCE_AND_USAGE_IN_YEMEN 
-Hamadi, M., Tebani, A., & Hetatache, A. (2025). Enhancing financial inclusion through Shari’a-compliant microfinance: A case study of Al-Amal Microfinance Bank in Yemen. Research Papers in Economics and Finance, 9(1), 39–50. https://journals.ue.poznan.pl/REF/article/view/2215  
 

جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP