مقابلات ومقالات

  • شارك:

الكوتشينغ كأداة استراتيجية لتمكين رأس المال البشري وتعزيز التنافسية في القطاع المصرفي اليمني


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2025/10/18

 

عبدالحكيم محمد الفقيه *

-يكتسب الكوتشينغ أهميته من كونه أداة لتمكين الأفراد من التفكير المستقل واتخاذ قرارات أكثر وعيًا وفاعلية

-يقوم الكوتشينغ على مبدأ الشراكة بين الكوتش (المدرب/المُمكّن) والكوتشي (المستفيد)، بهدف إطلاق الإمكانات الكامنة وتحويلها إلى نتائج عملية

عقدت مؤخرًا دورة تدريبية متخصصة حول الكوتشينغ في المعهد المصرفي اليمني، قدّمها الدكتور الرائع والمتمكن عدنان السادة. وقد تميزت هذه الدورة بأنها جمعت بين الجانب النظري والتطبيقي، مما جعلها تجربة معرفية ثرية وملهمة عكست خبرة الدكتور واحترافيته العالية.

كنت أحد الحاضرين في الدورة ومن خلالها تعرّفنا على بدايات الكوتشينغ وتطوره عالميًا، وكيف يمكن أن يسهم بفاعلية في تمكين الأفراد وحل العديد من التحديات سواء على المستوى الشخصي أو المهني.

تركت هذه التجربة أثرًا بالغًا في قناعتي بأن الكوتشينغ ليس ترفًا إداريًا، بل أداة استراتيجية وضرورة اقتصادية في عالم اليوم.

يقوم الكوتشينغ على مبدأ الشراكة بين الكوتش (المدرب/المُمكّن) والكوتشي (المستفيد)، بهدف إطلاق الإمكانات الكامنة وتحويلها إلى نتائج عملية. وعلى عكس التدريب التقليدي الذي يركز على نقل المعرفة والمهارات، فإن الكوتشينغ يعتمد على الحوار والأسئلة الاستكشافية التي تساعد المستفيد على توليد الحلول بنفسه.

ومن المهم هنا التمييز بين الكوتشينغ وغيره من الممارسات القريبة منه:

التدريب (Training): يركز على تزويد الأفراد بمعارف أو مهارات محددة، حيث يقوم المدرب بشرح وتلقين ما يمتلكه من خبرة.

الاستشارات (Consulting): يقدم فيها المستشار حلولًا جاهزة وتوصيات عملية مبنية على خبرته وتجربته.

العلاج النفسي (Psychotherapy): يهتم بمعالجة الاضطرابات النفسية أو السلوكية، ويقدمه مختصون في مجال الصحة النفسية.

النصح والإرشاد (Mentoring/Advising): يقوم على توجيه مباشر يعتمد على خبرة المرشد وتجاربه السابقة.

الكوتشينغ (Coaching): يختلف عن كل ما سبق بتركيزه على تمكين المستفيد من خلال أسئلة عميقة وحوار استكشافي يساعده على الوعي الذاتي واكتشاف الحلول من داخله، دون تقديم أجوبة جاهزة.

وبهذا المعنى، فإن الكوتشينغ ليس بديلًا عن تلك الممارسات، بل مكمل لها، ويكتسب أهميته من كونه أداة لتمكين الأفراد على التفكير المستقل واتخاذ قرارات أكثر وعيًا وفاعلية.

ومن منظور اقتصادي، يشكل الكوتشينغ استثمارًا في رأس المال البشري، الذي يعد أصلًا استراتيجيًا لأي مؤسسة. وتشير الدراسات إلى أن المؤسسات التي تعتمد برامج كوتشينغ فعّالة تحقق ارتفاعًا في إنتاجية الموظفين وتعزيز الولاء المؤسسي وتقليل معدلات دوران الكوادر وخلق بيئة عمل محفزة للابتكار واتخاذ القرار الرشيد.

الكوتشينغ والقطاع المصرفي اليمني

يواجه القطاع المصرفي في اليمن تحديات متعددة، أبرزها ضعف ثقة العملاء، شدة المنافسة، وصعوبة استقطاب الكفاءات والمحافظة عليها. وهنا يبرز دور الكوتشينغ كأداة تمكين يمكن أن تساعد البنوك في تطوير القيادات المصرفية الشابة وبناء ثقافة عمل مرنة قادرة على التكيف مع الأزمات بالإضافة الى تعزيز مهارات التواصل وخدمة العملاء لرفع مستويات الثقة والاستقرار.

أهمية الكوتشينغ في القطاع المصرفي اليمني:

تطوير القيادات المصرفية: يساعد الكوتشينغ على صقل المهارات القيادية لدى المديرين، مثل مهارات اتخاذ القرار والتفكير الاستراتيجي والقدرة على تحفيز الفرق وإدارة التغيير.

تعزيز الأداء الوظيفي: من خلال جلسات الكوتشينغ الفردية، يمكن تحديد نقاط القوة والضعف لدى الموظفين ووضع خطط مخصصة لتحسين أدائهم ورفع إنتاجيتهم.

تحسين ثقافة العمل: يساهم الكوتشينغ في بناء بيئة عمل إيجابية تشجع على الابتكار والتعاون وتحمل المسؤولية، مما يعزز قدرة المؤسسة على التكيف مع الأزمات والتحديات.

زيادة رضا العملاء وولائهم: من خلال تطوير مهارات التواصل وخدمة العملاء لدى الموظفين، يمكن للبنوك أن تقدم تجربة عميل استثنائية تعزز ثقة العملاء وتزيد من ولائهم للمؤسسة.

نحو اتحاد يمني للكوتشينغ

انطلاقًا من هذه الأهمية، تبرز الحاجة إلى إنشاء كيان وطني أو اتحاد للكوتشينغ في اليمن، يضم الممارسين والمهتمين، ويعمل على نشر ثقافة الكوتشينغ وفق معايير مهنية معتمدة. وجود مثل هذا الكيان سيتيح فرص شراكة مع المعاهد المصرفية والجامعات، ويمكّن من إعداد كوادر مصرفية أكثر تنافسية على المستويين الإقليمي والدولي.

أدوار محتملة للاتحاد:

وضع المعايير المهنية: يعمل الاتحاد على وضع واعتماد معايير واضحة للكوتشينغ، مما يضمن جودة الخدمات المقدمة ويحمي المستفيدين.

بناء الشراكات: يمكن للاتحاد عقد شراكات استراتيجية مع المؤسسات المصرفية والتعليمية لدمج الكوتشينغ في برامجها التدريبية والتطويرية.

نشر الوعي: يساهم الاتحاد في زيادة الوعي بأهمية الكوتشينغ وفوائده من خلال تنظيم المؤتمرات والندوات وورش العمل.

التأهيل والترخيص: يمكن للاتحاد أن يكون جهة معتمدة لتأهيل وترخيص المدربين والكوتشز في اليمن، مما يضمن احترافية الممارسين في القطاع.

وتبقى الخلاصة أن الكوتشينغ لم يعد خيارًا ثانويًا، بل ضرورة استراتيجية في أي اقتصاد يسعى للتعافي والاستدامة. وفي السياق اليمني، يمكن أن يشكل الكوتشينغ بوابة لتمكين الأفراد والمؤسسات على حد سواء، وبناء قطاع مصرفي أكثر كفاءة ومرونة في مواجهة التحديات.

 

*مدير التسويق - بنك سبأ

جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP