مقابلات ومقالات

جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2025/11/24

 

فهد قائد السلمي- كاتب وباحث متخصص

مقال متخصص بتقييم الأداء الوظيفي في بيئات غير مستقرة، مستندا إلى معايير دولية، وممارسات إدارية حديثة

عملية تقييم الأداء في بيئات غير مستقرة أشبه بمحاولة قياس نبض قلب داخل عاصفة؛ حيث يصبح الموظف أشبه بمن يمشي على أرض تتحرك تحت قدميه كل يوم، ومع ذلك يطلب منه أن يظل منتجًا، ومنضبطًا، وملتزمًا بمعايير مهنية لا تعرف العذر، وهذا ليس بعدل ولا إنصاف.

فالعامل في بيئة مضطربة لا يخوض اختبار كفاءة فحسب، بل اختبار صمود، ومهارة تكيف، وفي المقابل لا يمكن للمؤسسات في ظل الأزمات أن تتخلى عن بوصلتها، وتترك العاملين دون تقييم، ولا استخدام نماذج تقييم الأداء التقليدية، ولا مقاييس الإنتاجية وحدها لإصدار حكم منصف على جهد الموظف.

من هنا تأتي الحاجة إلى بناء منظومة تقييم قادرة على الإصغاء للبيئة قبل إصدار الأحكام، وعلى الإنصاف قبل المحاسبة، وعلى فهم الإنسان قبل قراءة الأرقام.

الموجهات العملية لتطبيق تقييم واقعي ومنصف

1.اعتماد نظام تقييم مرن لا جامد

يجب مراجعة الأهداف خلال العام، خصوصًا إذا تغيرت البيئة.

2.إدراج الظروف البيئية

لأن 'سياق الأداء' جزء من 'جوهر الأداء ؛ كان لا بد من إدراجها ضمن نموذج التقييم .

3.استخدام التقييم بالمواقف الحرجة

تمثل طريقة عالمية لرصد أداء الموظف في لحظات الاختبار الحقيقية.

4.توسيع دائرة التقييم الذاتي

لأن الموظف أقرب لفهم ما واجهه يوميًا من تحديات.

5.تحويل التقييم إلى أداة تطوير

وفق منهجيات HRBP الحديثة، يجب أن يخرج الموظف من جلسة التقييم أكثر وعيًا لا أكثر خوفًا.

6.التركيز على السلوكيات وليس النتائج

فالنتائج قد تتعطل لأسباب خارجة عن الإرادة، أما السلوك المهني فهو دائم.

معايير ومؤشرات الأداء

في البيئات غير المستقرة

معيار القدرة على المرونة والتكيف

"معيار فن النجاة"

يشير هذا المعيار إلى مدى قدرة ومهارة الموظف على امتصاص صدمات البيئة التشغيلية المضطربة، وقدرته على إعادة ترتيب أدواته الروحية والذهنية في كل صباح، والتعامل مع المتغيرات بوصفها جزءًا من يومه لا طارئًا عليه.

مؤشرات القياس:

• قدرة الموظف على إعادة ضبط الأولويات

• قدرته على تعديل السلوكيات وأساليب العمل دون فقدان الجودة

• قدرته على العمل الجماعي والتعاون في فريق متغير

• مهاراته في سرعة الاستجابة للتغيير

• مهاراته في حل المشكلات تحت الضغط بطرق مبتكرة

• مرونته في تبادل الأدوار والمهام

مستوحى من: ILO | ISO 22316 | UNDP

معيار إدارة المخاطر السلوكية

  "معيار الحارس الأمين"

يشير إلى مدى قدرة الموظف على تجنب الوقوع في الأخطاء التي ترهق المؤسسة في زمن الأزمة، وإلى اليقظة الأخلاقية والمهنية للموظف تجاه التهديدات الداخلية التي يسببها السلوك البشري.

مؤشرات القياس:

• الوعي بالمخاطر

• القدرة على اتخاذ القرار الآمن في بيئة تفتقر للمعلومات الكاملة

• الالتزام بقنوات الإفصاح

• الامتثال لمعايير السلامة والصحة المهنية

• الالتزام بسياسات مكافحة الاحتيال

• الالتزام بضمان سلامة الزملاء والمستفيدين

مستوحى من: ILO | COSO_ERM | Basel III

معيار الكفاءة التشغيلية في الموارد المحدودة

"معيار تحويل القليل إلى كثير"

يشير هذا المعيار إلى قدرة الموظف على تحقيق أعلى جودة ممكنة من العمل باستخدام أقل قدر ممكن من الوقت والمال والموارد البشرية.

مؤشرات القياس:

• قدرة الموظف على تبسيط الإجراءات

• قدرته على تقليل الهدر

• حجم العمل المنجز بالنسبة إلى الموارد المستخدمة

• نسبة إنجاز المهام في المواعيد المحددة

• عدد الأخطاء التشغيلية مقارنة بمتوسط الظروف

• معدل الالتزام بالحضور والانضباط

مستوحى من: OECD | ILO | ISO 9001

معيار السلوك المهني والأخلاقي

"معيار الأخلاق.. قيمة إنتاجية لا فضيلة شخصية"

يشير معيار السلوك المهني والأخلاقي إلى الإطار الشامل من القواعد والقيم التي تحكم تصرفات الموظف داخل بيئة العمل وخارجها، لضمان أن تكون هذه التصرفات عادلة، ونزيهة، ومحترمة للقوانين.

مؤشرات القياس:

• نزاهة الموظف وقوة التزامه الأخلاقي

• احترام الأنظمة والقوانين

• التعامل المسؤول والعادل مع العملاء والزملاء

• الشفافية في العمل والتواصل

• عدم إخفاء الخطأ ومبادرته للتصحيح

• مبادرته للتخلي عن بعض الامتيازات

مستوحى من: ILO | BIS | ISO 26000

معيار القدرة على العمل تحت الضغط

"معيار الكفاءة في الأزمة"

يشير معيار القدرة على العمل تحت الضغط إلى مجموعة من السمات والمهارات التي تمكن الموظف من الحفاظ على مستوى عالٍ من الأداء والفعالية العقلية والنفسية عند مواجهة ظروف صعبة.

مؤشرات القياس:

• جودة اتخاذ القرار

• إدارة الوقت وتحديد الأولويات

• التحكم العاطفي والاستقرار النفسي

• الإنتاجية والحفاظ على الجودة

• التواصل الفعال في ظل الأزمة

مستوحى من: UNDSS | ISO 45001

الأخلاقيات الحاكمة لتقييم الأداء

الأخلاق ليست ملحقًا للتقييم، بل ملاذه الأخير.

العدالة

توجب استخدام أدوات تقييم مناسبة لظروف البيئة؛ لتحقيق العدالة

الأهمية

يجب أن يحدد الوزن النسبي لكل معيار ومؤشر بناء على؛ الأهمية الحرجة، وتكرار الاستخدام، والأثر على النتائج.

الشفافية

يجب أن يعرف الموظف لماذا يقيّم وعلى أي أساس وكيف تحتسب درجاته

السرية

توجب عدم تسريب نتائج تقييم الموظف؛ لضمان الحفاظ على الأمن الوظيفي والعلاقات داخل المؤسسة.

الموضوعية

لا ينبغي أن يبنى الحكم على المزاج بل على أدلة وتوثيق دقيق.

الربط بالسلامة

لا يجوز أن يصبح التقييم دافعًا للمخاطرة غير المحسوبة

الخلاصات الرئيسية

تقييم الأداء في البيئات غير المستقرة ليس إجراءً سنويًا، ولا معادلة رقمية، ولا عملية إدارية فحسب؛ بل فن في قراءة الموظف وسط العاصفة، ورصد دقيق لخطواته وهو يعبر بإصرار وكفاءة ومهنية ومرونة حقول الألغام الميدانية في بيئة مضطربة

ليس كل ما يصلح من موجهات ومعايير ومؤشرات لتقييم الأداء في البيئات المستقرة، يصلح في البيئات المضطربة

عملية التقييم في البيئات الهشة لا بد أن تتأسس على معايير مرنة، ومؤشرات عادلة، وممارسات مهنية، وأخلاقيات صارمة

منظومة تقييم الأداء المقترحة لبيئات غير مستقرة؛ محاولة للإمساك بخيط العدالة وسط رياح متغيرة

التقييم وفق الموجهات والمعايير المقترحة بناء على معايير ومبادئ وممارسات دولية تجعل منه فعل إنصاف قبل أن يكون محاسبة، وفعل بناء قبل أن يكون تقريرًا، ومسارًا يليق بإنسان يعمل في بيئة لا ترحم.

حين تنجح المؤسسات في بناء منظومة تقييم تستند إلى المعايير والممارسات الدولية؛ فإنها تحافظ على موظفيها وتحمي روحها الداخلية

الموظف الذي يعمل في بيئة تهتز كل يوم، ويظل ثابتًا على مبادئه، منضبطًا في أدائه، أمينًا على مؤسسته؛ لا يقاس بكم أنجز فحسب، بل بكم صمد، وكيف تماسك، وبأي روح واجه العاصفة.

توزيع الأوزان النسبية للمعايير والمؤشرات في البيئات الهشة تختلف باختلاف أهمية كل معيار ومؤشر وفقا لطبيعة كل بيئة.

معيار القدرة على المرونة والتكيف يمثل أهم معيار لاستمرار الأداء وسط الاضطراب، يليه معيار إدارة المخاطر السلوكية ثم معيار الكفاءة التشغيلية والانضباط التشغيلي تحت الضغط.