جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2025/12/01
حمزة الشرعبي *
- التمويل الإسلامي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ليس مجرد خيار مصرفي، بل هو واجب شرعي وضرورة اقتصادية
- المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل الملاذ الآمن للشباب الطموح الذي يسعى لتطبيق أفكار ريادية
تُعد المشروعات الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري لأي اقتصاد ناشئ، فهي لا توفر فرص عمل فحسب، بل تساهم في تنويع الإنتاج المحلي، وتحفيز روح الابتكار، وتعزيز مشاركة الشباب والنساء في الحياة الاقتصادية .. وفي بلادنا، مع الأوضاع الاقتصادية المعقدة والتحديات الأمنية والاجتماعية، تصبح هذه المشروعات أكثر أهمية، ليس فقط كأدوات للنمو الاقتصادي، بل كوسيلة لبناء استقرار مجتمعي وتحقيق التنمية المستدامة .. وهنا يظهر التمويل الإسلامي كخيار استراتيجي يجمع بين العدالة، والشفافية، والمرونة، ويحقق مقاصد الشريعة في حفظ المال وتحقيق المصلحة العامة.
أولاً : أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد اليمني
تعتبر المشروعات الصغيرة والمتوسطة في بلادنا الرافعة الاقتصادية الأولى للقطاع الخاص، وهي تمثل غالبية المنشآت الاقتصادية في المدن والأرياف، وتستوعب شريحة كبيرة من القوى العاملة، خصوصاً الشباب .. وتأتي أهميتها في النقاط التالية:
1. خلق فرص عمل مستدامة : تعمل هذه المشاريع على امتصاص البطالة، خاصة في ظل ضعف القطاع الحكومي وغياب الاستثمارات الكبيرة.
2. تحريك النشاط التجاري المحلي : فهي توفر المنتجات والخدمات الضرورية، وتعمل على زيادة الحركة الاقتصادية داخل الأسواق.
3. تمكين الأسر اقتصادياً : حيث تمنح الأفراد القدرة على إدارة أعمالهم الخاصة، وتحسين مستوى دخلهم.
4. تعزيز الاعتماد على الإنتاج المحلي : بدل الاستيراد المكلف الذي يستهلك العملة الأجنبية.
5. المساهمة في الاستقرار الاجتماعي : من خلال توفير بدائل اقتصادية تقلل من الهجرة الداخلية وارتفاع معدلات الفقر.
وإذا نظرنا إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة في اليمن من زاوية القطاع الصناعي والحرفي، نجد أنها تمثل الملاذ الآمن للشباب الطموح الذي يسعى لتطبيق أفكار ريادية، خصوصاً في ظل محدودية الوظائف الحكومية.
ثانياً : البعد الشرعي للتمويل ودوره في التنمية
يستند التمويل الإسلامي إلى مجموعة من المبادئ الشرعية التي تهدف إلى حماية المجتمع من الاستغلال المالي وتحقيق العدالة في توزيع المخاطر .. ويعتمد على الربط بين التمويل والنشاط الاقتصادي الحقيقي، بحيث يصبح البنك شريكاً في التنمية لا مجرد جهة إقراض.
المبادئ الشرعية الرئيسية :
قاعدة المصلحة العامة
القاعدة الفقهية تقول : (التصرف على الرعية منوط بالمصلحة)، وهو ما يجعل دعم المشروعات الإنتاجية واجباً شرعياً في سياق التنمية الاقتصادية.
قاعدة الحاجة
تقول القاعدة : (الحاجة تُنزّل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة) وهي أساس لإقرار تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة بما يتلاءم مع حاجة المجتمع الاقتصادية.
قاعدة تحريم الاستغلال
الشريعة تمنع المعاملات الربوية أو الاستغلالية، مما يجعل التمويل الإسلامي أكثر ملاءمة للشرائح الاقتصادية الضعيفة والمتوسطة، ويضمن عدم تراكم الديون عليها.
قاعدة تنمية المال
وقد قال الرسول صل الله عليه وآله وسلم .. (نِعْمَ المال الصالح للرجل الصالح) وهو ما يشجع على استثمار الأموال في مشاريع إنتاجية تعود بالنفع على الفرد والمجتمع.
ثالثاً : صيغ التمويل الإسلامي المناسبة في اليمن
تتعدد أدوات التمويل الإسلامي، لكن طبيعة السوق اليمني تجعل بعض الصيغ أكثر ملاءمة من غيرها، خصوصاً أن البنوك اليمنية نوضحها كالآتي:
1. المشاركة
تتيح المشاركة للبنك وصاحب المشروع تقاسم رأس المال والأرباح والخسائر، مما يحقق عدالة في توزيع المخاطر، ويحفز الطرفين على نجاح المشروع .. وهي مثالية للمشاريع الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة التي تحتاج دعمًا مستمراً.
2. المضاربة
يتم فيها تقديم التمويل من قبل البنك بينما يقدم صاحب المشروع العمل والإدارة، ويتم تقسيم الأرباح حسب النسبة المتفق عليها مسبقاً تعد المضاربة مناسبة جداً للمشاريع الريادية والمبتكرة التي لا تمتلك ضمانات.
3. المساومة
تمثل المساومة بيعاً يتفق فيه البنك والعميل على السعر دون الإفصاح عن تكلفة الشراء الفعلية للبنك، بخلاف المرابحة .. وتتميز هذه الصيغة بما يلي:
- مرونة في التسعير والتفاوض.
- تناسب البيئة اليمنية التي يصعب فيها توثيق التكلفة الحقيقية للسلع.
- سرعة في تنفيذ العمليات التمويلية.
- إمكانية استفادة أكبر عدد من التجار وأصحاب المشاريع الصغيرة.
4. الإجارة التشغيلية
تتيح للمشروعات استخدام المعدات أو الآلات أو وسائل النقل مقابل إيجار، مما يقلل الحاجة لرأس مال كبير ويحفز المشاريع الصغيرة على الإنتاجية منذ البداية.
رابعاً : أثر التمويل الإسلامي على الاقتصاد والمجتمع
التمويل الإسلامي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة له آثار مباشرة وواضحة على:
- تنشيط السوق المحلي : زيادة الحركة التجارية وتحفيز الطلب على السلع والخدمات.
- خلق فرص عمل : للرجال والنساء، خصوصاً الشباب الباحث عن فرصة للابتكار.
- تحسين مستوى المعيشة : عبر توفير دخل ثابت ومنتظم للمواطنين.
- تطوير الإنتاج المحلي : دعم الورش والمصانع الصغيرة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
- تعزيز الاستقرار الاجتماعي : من خلال الحد من البطالة وتقليل معدلات الفقر.
وقد أظهرت تجارب الدول النامية أن التمويل الإسلامي للمشروعات الصغيرة هو رافعة اقتصادية قوية، يمكن أن يعيد هيكلة الاقتصاد ويخلق طبقة متوسطة منتجة قادرة على دعم الاستقرار المجتمعي.
خامساً : دور البنوك اليمنية في تعزيز التمويل الإسلامي
تمتلك البنوك اليمنية فرصة حقيقية لتكون محركاً للنمو عبر اعتماد أدوات التمويل الإسلامي المناسبة، مثل:
- إنشاء برامج تمويل تشاركية لدعم المشاريع الصغيرة والناشئة.
- اعتماد محافظ مساومة لتسهيل شراء المواد الخام والسلع التجارية.
- تطوير الإجارة التشغيلية لتوفير المعدات للمشاريع دون الحاجة لرأس مال ضخم.
- التعاون مع منظمات التنمية الدولية لدعم المشروعات الريادية.
- تصميم برامج تمويلية موجهة للشباب والنساء لدعم روح المبادرة.
كما أن التوسع في هذه الأدوات يمكن أن يعيد الثقة في النظام المصرفي ويحفز النمو المحلي بشكل مستدام.
ختاماً:
يتضح أن التمويل الإسلامي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في بلادنا ليس مجرد خيار مصرفي، بل هو واجب شرعي وضرورة اقتصادية .. فهو يحقق التنمية ويحفز الإنتاج المحلي، ويدعم الأسر ويخلق فرص عمل مستدامة ومع اعتماد البنوك اليمنية على صيغ التمويل الفعلية مثل المساومة والمشاركة والإجارة التشغيلية، يمكن تحقيق تحول اقتصادي حقيقي يعزز الصمود المجتمعي ويعيد ثقة المواطن في النظام المالي المحلي.. وبالتالي فإن الاستثمار في المشروعات الصغيرة والمتوسطة عبر التمويل الإسلامي ليس رفاهية، بل هو السبيل لإحياء الاقتصاد الوطني، وبناء مستقبل مستدام للأجيال القادمة.
* الرقابة الشرعية - بنك التضامن