جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2019/06/11
يمر الاقتصاد الوطني في الوقت الراهن بعدة مشاكل وتحديات تحد من قدراته, وكذا الحال القطاع الخاص وسيدات الأعمال على وجه الخصوص, ولمعرفة تداعيات هذه التحديات والمشاكل على الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص وسيدات الأعمال, التقينا بالدكتورة نجاة جمعان, وهي سيدة أعمال, ورئيسة سيدات الأعمال في الاتحاد العام للغرف التجارية اليمنية وأكاديمية في كلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء, حيث قالت إن سيدات الأعمال هن أكثر المتأثرين من الظروف الحالية؛ فكثير من سيدات الأعمال خرجن من قطاع الأعمال وقفلن مشاريعهن.
وانتقدت, في حوار صحفي مع موقع جمعية البنوك اليمنية, سياسة التمويل عبر أذون الخزانة لموازنة الدولة, ووصفتها بأنها مزاحمة للقطاع الخاص في الموارد المتاحة للمجتمع من الأموال, وكانت سياسة البنك المركزي المحافظة على التضخم؛ بحيث لا يزيد, وفي نفس الوقت توفر احتياجاتها من الأموال, على اعتبار أن الناس تعرف أن البنك المركزي بنك حكومي لا يفلس.
الى الحوار
برأيكم ارتفاع سعر العملة ماهي الأسباب والمعالجات؟
سعر العملة لأية دولة مرتبط بالتدفقات النقدية, التي تأتي من الخارج مقارنة بالعملة الخارجة إلى الخارج, ونحن وضعنا في اليمن نستورد كل احتياجاتنا من الخارج؛ وبالتالي يترتب على هذا التزامات كثيرة للعملة الصعبة وبالذات الدولار, وفي الفترة السابقة حاولت الدولة أن تتغلب على هذه الإشكالية من خلال إيجاد مصادر للحصول على عملة صعبة؛ فكانت من ضمنها النفط والغاز, وقد عالجت المشكلة في الفترة السابقة, ولكن للأسف اعتمد عليها بصورة كبيرة جدا, وفي الحرب تأثر هذا المورد بشكل كبير, وحتى قبل الحرب كانت هناك توقعات أن كمية النفط والغاز بدأت تتناقص وبالذات النفط, ولو تمت استثمارات جديدة في مجال استغلال النفط والغاز لكانت لدينا موارد كبيرة, ولكن للأسف بلادنا لا تستطيع هذا إلا اذا اعتمدت على الاستثمارات الخارجية وهذا يعني أنها سوف تدفع مقابل ذلك مبالغ كبيرة جدا.
في النفط كانت هناك مؤشرات على تناقص الكمية المستخرجة, وبالنسبة للغاز لم يتم تطوير الآبار, وهذا بالنسبة للنفط والغاز؛ للحصول على العملة الصعبة, وكانت الأنابيب ووسائل النقل مستهدفة لإعاقة عملية الإنتاج بأي شكل من الأشكال.
أيضا كانت لدينا مصادر أخرى غير النفط والغاز وهي تحويلات المغتربين والمساعدات الدولية, التي كانت تحصل عليها اليمن, بالإضافة إلى القروض, وهذه تجمدت نتيجة الحرب.
بالنسبة لتحويلات المغتربين كان البنك المركزي اليمني قبل أن ينقل إلى عدن يشتغل بطريقة صحيحة, حيث كانت هناك قدرة للسلطة النقدية أنها تدير تحويلات المغتربين كما يجب.
يعني أسعار العملات ستتدهور أكثر؟
إذا ظلت الحرب قائمة, فإن العملة الوطنية ( الريال) سوف تتدهور, وبيئة العمل ستكون صعبة, والتصدير سيكون صعبا, وكذلك الاستثمار سيكون أصعب, وخاصة الاستثمار الأجنبي؛ لذا ستكون التدفقات من العملة الصعبة إلى الداخل أقل من احتياجات البلد.
ماذا عن التضخم؟
التضخم هو الآخر مرتبط بسعر العملة بدرجة معينة ومرتبط بمدى استيراد الكمية الكافية لاحتياجات الناس؛ فالحرب أدت إلى خروج الكثير من السوق, وبالتالي أصبح العرض أقل من الطلب بشكل كبير جدا وهذا يؤدي إلى رفع الأسعار بصورة كبيرة.
كيف تنظرون الى وضع الاقتصاد حاليا؟
عندما نقول هناك حرب؛ فهذا يعني عدم استقرار ودرجة المخاطرة مرتفعة جدا, وما دام هناك عدم استقرار؛ فهناك اضطراب في الاقتصاد, صحيح هناك قطاعات اقتصادية عليها طلب, ولكن يظل الانفتاح على العالم والممرات الآمنة محدود طالما فيها مشاكل؛ وبالتالي فتدفقات الخدمات والسلع ستكون محدودة جدا, وهذا يعني أن العملية الإنتاجية ستكون محدودة.
كانت هناك مصادر أخرى مثل الثروة السمكية والسياحة؟
الثروة السمكية إذا كانت مرتبطة بالتصدير فقط, وليس الثروة السمكية وحسب, ولكن كل شيء يصدر مثل الخضروات والفواكه والبن والعسل وغيرها؛ ستكون ذات عائد من العملة الصعبة, بس للأسف توقفت أيضا ولو أن نسبتها بسيطة جدا, ولكنها ستضيف قيمة للعملة, وكذلك بالنسبة للسياحة, ولكن لوحظ منذ بداية عدم الاستقرار السياسي أن الكثير من الفنادق توقفت, وكذلك الأشغال اليدوية, التي كان الكثير من الناس بدأوا يطورونها هي الأخرى تأثرت وتدهورت بشكل كبير جدا.
كيف تأثر القطاع الخاص بمختلف مستوياته, الكبير والمتوسط والصغير؟
المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر هي أول القطاعات, التي ستخرج من السوق؛ لأن الخطر مرتبط بالتكلفة, مثلا صاحب البقالة الصغيرة متعود تأتيه المواد يبيعها ومن ثم يسدد, ولكن عندما تتقطع الطرق وتكثر المواجهات المسلحة وتكون الكميات محدودة؛ فسوف يتأثر والتكلفة سترتفع بشكل كبير جدا؛ فلن يقدر يبيع الكميات, التي كان يبيعها في السابق وبالتالي تتراكم عليه الالتزامات ويتعرض لخسائر؛ فيضطر للخروج من السوق ويقفل مشروعه.
ماذا عن تأثر سيدات الأعمال بسبب الأزمة؟
سيدات الأعمال هن أكثر المتأثرين من الظروف الحالية؛ فكثير من الأخوات خرجن من قطاع الأعمال وقفلن مشاريعهن ومنهن من هاجرن, ولكن في الجانب الآخر هناك محاولات لسيدات أعمال؛ لإنتاج الحلويات والملابس والبخور وغيرها؛ فبدأت تظهر بعض الأنشطة لسيدات الأعمال وبدأن يستثمرن فيها.
هناك مشروع بريف لسيدات الأعمال ماذا عنه؟
هي مبادرة رائعة من البنك الإسلامي للتنمية وما تزال المبادرة في بدايتها ومن الصعب تقييمها والناس دائما تبحث عن الاثر يعني كم حجم المشاريع, التي ستساعد القطاع الخاص لكي يقف على قدميه من جديد ويحس أن هناك من سيقف الى جانبه في ظل الظروف الصعبة.
كيف أثرت أذون الخزانة في تعميق مشاكل الاقتصاد؟
سياسة التمويل عبر أذون الخزانة لموازنة الدولة هي مزاحمة للقطاع الخاص في الموارد المتاحة للمجتمع من الأموال, وكانت سياسة البنك المركزي المحافظة على التضخم بحيث لا يزيد, وفي نفس الوقت توفر احتياجاتها من الأموال, والناس تعرف ان البنك المركزي لا يفلس, ولكن الآن 5 سنوات والبنوك والمواطنين الذين استثمروا في اذون الخزانة مش قادرين يسحبون أي مبلغ, اضافة الى أن انخفاض العملة المحلية ادى الى تآكل القيمة الشرائية لهذه الأموال ربما تساوي 50% من قيمتها, وعدم استطاعة الناس من الحصول على اموالهم التي استثمروها في اذون الخزانة ادى الى استياء الناس من البنوك وفقدوا الثقة فيها, وعندما تعود الامور الى ما كانت عليه؛ فالناس سوف تفكر الف مرة قبل ان تودع اموالها في البنوك, الا اذا التزمت البنوك باسترجاع اموال الناس عندما تتحسن الظروف فهذا موضوع آخر.
إذا تحدثنا عن الصكوك الإسلامية كيف ترون مستقبلها؟
كانت هناك توجهات بذلك وبدأت بعض البنوك الإسلامية تستثمر في هذه المشاريع ولكن المشروع لم يكتمل بسبب ما مرت به البلاد من ظروف سياسية, ومفهوم الصكوك الإسلامية انك تدخل مع الدولة في الربح والخسارة, ولكن صاحب راس المال لا بد أن يتأكد من الربحية, ولو أحس ان هذا المشروع فيه درجة من المخاطرة؛ فلا يمكن ان يستثمر فيه.
بعض البنوك الإسلامية تعتمد المرابحة فقط.. لماذا؟
البنوك الاسلامية في اليمن لم تلتزم بجميع مجالات الصيرفة الاسلامية ما عدا المرابحة؛ لأنها مضمونة فهي عملية بيع وشراء وقصيرة الأجل فتقدر ان تضبط السعر بناء على المخاطرة.
ماذا عن سوق الأوراق المالية؟
انا كنت من ضمن اللجنة, التي أعدت مشروع قانون إنشاء هيئة سوق الأوراق المالية, الذي صدر في 2010م وبعده تتم تعيينات الهيئة, التي ستقوم بعملية التنظيم في المرحلة اللاحقة, ولكن للأسف أحداث 2011م وسقوط النظام؛ أدى الى توقف المشروع, ولكن عندي إيمان بأن سوق الأوراق المالية ضرورة والناس تتعلم من الأخطاء والمشاكل الكبيرة, والبنوك اليمنية تمويلاتها قصيرة الأجل وإمكانياتها محدودة, والكثير من الناس لا يحبون أن يستثمرون أموالهم في البنوك, فربما بوجود سوق الاوراق المالية الوضع يختلف ويتداولون الأسهم, التي تمثل حق ملكية للشخص والشركة, وهذا يتناسب مع الفلسفة الاسلامية, التي تخرج الناس من مفهوم الربا, وتنفع الناس, الذين يملكون هذه الاوراق المالية.
هناك من لا يعرف ما هي الأوراق المالية؟
الاوراق المالية هدف ادخاري بمعنى اشتري الورقة المالية اليوم وأبيعها لما احتاج الى السيولة, وفي ظل عدم وجود سوق أوراق مالية فأين يدخر المواطن أمواله؟ ولكن بوجود شوق الاوراق المالية فالناس سوف تتشجع والسوق سوف يحدد سعرا عادلا للورقة المالية, وفي سوق الاوراق المالية هناك شفافية في تداول المعلومات, وكل الشركات تعلن عن سعر الأسهم, وهناك شركات تحلل الوضع المالي للشركة, وبالتالي نستطيع ان نحدد القيمة الفعلية للورقة المالية, التي تملكها الشركة داخل السوق المالية؛ لذا سوق الأوراق المالية أمر ضروري.
من يدير سوق الأوراق المالية؟
هناك دول تعتبرها قطاعا خاصا, ودول تعتبرها قطاعا حكوميا, وكل نوع من هذه الأنواع يكون لها تنظيم, وأعتقد أنه بعد انتهاء, الحرب سيكون القطاع الخاص أكثر تدخلا؛ فيقدم منتجات وخدمات ظلت تقدمها الدولة, فمثلا حاليا الكهرباء والماء يزودها القطاع الخاص, والناس تدفع حتى ولو كان السعر مرتفعا, المهم يضمن استمرارية الخدمة, ونفس الحكاية سوق الاوراق المالية اذا كانت الدولة لا تستطيع ان تقوم وتديرها؛ فسوف تتشكل شركة مساهمة تقدم هذه الخدمة, والسلطة ستكون جهة رقابية وتنظيمية تضع القوانين ولوائح تنظيمية.
كيف يمكن أن نكسب ثقة المستثمرين مستقبلا؟
الاستثمار الأجنبي لا يأتي الا في ظل وجود دولة وأنظمة, وفي ظل غياب دولة ومؤسسات قائمة بذاتها؛ فالاستثمار الأجنبي سيرفض ان يستثمر في هذه الدولة, وبالتالي نحن نعول فقط على مجهودات الأفراد داخل المجتمع, ليس في عمليات التصنيع والاستيراد والتصدير, ولكن على الأقل في توفير احتياجات الناس من خلال الزراعة والنقل وايجاد فرص العمل, وطبعا هذه المشروعات ستكون محدودة؛ فهذه المجالات هي التي يمكن ان يعمل فيها الاقتصاد للاستهلاك المحلي.
الى أي مدى صمد القطاع الخاص؟
أولا التعامل مع سلطتين عملية صعبة جدا وكل سلطة لها لوائحها وانظمتها واجراءاتها, وبالتالي صعب على القطاع الخاص أن يتعامل مع كل سلطة لكنه مضطر ان يتعامل مع هذا الوضع, ويدفع ضرائب وجمارك مرتفعة, وكذلك تكاليف النقل والشحن مرتفعة, بالإضافة الى ارتفاع تكاليف المخاطر كالتأمين وغيره, وكل هذه العوامل أثرت على القطاع الخاص, وتعيق تقدمه ونموه بشكل كبير جدا, ومعظم القطاع الخاص الآن يحافظ على استمراريته وديمومته, ولم يعد يفكر بأن يكبر وينمو كما كان يفكر في السابق.
كم يحتاج الاقتصاد حتى يتعافى؟
هناك دراسة للبنك الدولي تقول بأنه يحتاج إلى 8 مليارات دولار لمعالجة الاشكالات التي ظهرت لإعادة تشكيل البنية التحتية والموارد البشرية, وهي مبالغ كبيرة جدا, والسؤال هنا هل بدأ المعنيون يعدون للمرحلة القادمة بحيث أن العملية تتم بطريقة سهلة, وما تتأخر وبالتالي تتعثر؟
هل تحتاج اليمن إلى إنشاء صندوق خاص لإعادة الإعمار؟
نحن لنا تجارب سابقة في موضوع الصناديق, وللأسف لم تنجح, وأنا اعتقد أن هناك مسألة ضرورية يجب أن ينظر لها المخطط ومتخذ القرار أن عليه أن يرفع من قدرات الناس, وأن تكون هناك مرونة في طريقة منح المشاريع؛ لأن الفساد والاستئثار بالسلطة والمشاريع؛ يحد من القدرة على توسيع قاعدة المشاركة؛ فلا يمكن للمجتمع أن ينمو إلا بمشاركة واسعة من الجميع, ولا تكون محتكرة على نوعية من المجتمع أو محتكرة بيد 10%, المفروض أن السلطة القائمة على هذا المشروع, سواء في جانب الإعمار أو الصناديق أن تؤهل المجتمع من أجل أن تكون المشاركة واسعة؛ ففي هذه الحالة نستطيع أن نشغل الأموال, ولكن إذا اشتغلنا بنفس الآليات السابقة؛ فالزمن سيمر, ولن نكون قادرين على أن نشغل الأموال المخصصة لإعادة الإعمار.