جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2019/08/27
أرقام
عالم مخيف بقدر ما هو مهم
- تخيل مثلاً أن سوقا مثل السوق السعودي، حيث يوجد الآلاف من المتعاملين الذين يحملون وجهات نظر متباينة بشأن الاتجاهات المستقبلية للسوق، فالبعض يتوقع ارتفاع الأسعار في المستقبل والبعض الآخر إما يعتقد العكس أو لا يزال مترددا ولا يدري إلى أي جانب يقف.
- بافتراض أن السوق يتمتع بكفاءة من الناحية المعلوماتية، فالجميع لديه نفس القدر من المعلومات ولكن يختلف تأويلها. وعلى هذا الأساس يحدد المتعاملون خطواتهم وتحركاتهم القادمة – على أساس توقعاتهم إما بارتفاع أو هبوط الأسعار – ومن هنا تنشأ بيئة مثالية للمشتقات المالية.
- المشتقات المالية هي في الأساس عبارة عن عقود. وينص ذلك العقد على أنه يجوز تبادل سلعة معينة في المستقبل مقابل سعر يتم تحديده اليوم. وهنا يجب ملاحظة حقيقة أن هذا العقد لا قيمة له إذا لم يكن هناك فارق زمني بين موعد تحديد السعر وبين تاريخ التنفيذ الفعلي لنص العقد.
- مثال، لنفترض الآتي: نحن حاليا في شهر يوليو، ويوجد مزارع ينتظر محصول الذرة الخاص به في أكتوبر، ويرغب في ضمان من يشتري المحصول. هنا يظهر تاجر على استعداد لشراء المحصول مقابل 1000 ريال للطن، لن يدفعها إلا في أكتوبر، ويتم تدوين ذلك في عقد آجل.
- الآن، ضمن المزارع أن محصوله سيتم بيعه لشخص آخر، وقيمة العقد ستعتمد على سعر الذرة في السوق. بحلول أكتوبر (موعد تنفيذ العقد) من المفترض أن يقوم المزارع بتسليم الذرة للطرف الثاني ويأخذ المبلغ المتفق عليه.
- لكن، لحظة، هل ربح أحدهم وخسر الآخر، بالتأكيد نعم، في أكتوبر إذا كان سعر الذرة في السوق أقل من 1000 ريال للطن، فيعتبر ذلك مكسباً بالنسبة للمزارع، والعكس صحيح.
- يتيح سوق المشتقات المالية عددا لا يمكن حصره من الخيارات التي توفر للمستثمرين إمكانية تداول أي شئ تقريباً، فهناك مشتقات مالية متاحة للأشخاص الراغبين في التنبؤ بكمية المطر أو بحالة الطقس في مكان معين في فترة زمنية معينة!
- يكون الأمر أحياناً أشبه بالرهان، فعلى عكس المثال السابق، قد يوقع طرفان على عقد مشتقات، وفي موعد التنفيذ وعلى حسب حركة السوق لا يقوم أي شخص بتسليم الثاني سلعة محددة، وإنما يقومان فقط بتصفية مراكزهم ويعوض الطرف الخاسر الطرف الرابح.
الالتزام مقابل الخيار
- أهم ما يميز عقد المشتقات هو أنه عبارة عن اتفاق يتم تنفيذه في المستقبل. ومع ذلك، تنقسم هذه العقود إلى فئتين. الأولى هي العقود المتناظرة: بمعنى أن طرفي العقد على حد سواء ملزمان بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الموعد المحدد. فبالرجوع إلى المثال السابق، نجد أن المزارع ملزم بتسليم المحصول للتاجر في أكتوبر، والأخير ملزم بدفع الثمن المتفق عليه.
- الفئة الأخرى، هي العقود غير المتناظرة، بمعنى أن أحد الأطراف لديه خيار عدم تنفيذ العقد. ففي مثال المزارع أيضاً قد يتم كتابة العقد بطريقة تعطي المزارع خيار بيع المحصول للتاجر في أكتوبر، بينما تلزم في المقابل التاجر بالشراء.
- هنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك عقد يعطي كلا الطرفين الخيار. فيجب أن يكون طرف واحد فقط هو من لديه الخيار، لأنه إذا كان لدى كلا الطرفين الخيار لن يكون هناك عقد على الإطلاق لأنه لن يتم اتخاذ أي قرار.
أهم خصائصها
- عامل الوقت: بما أن المشتقات هي عقود، فبالتأكيد لها تاريخ انتهاء. وهذا يعني أنها بعد تاريخ معين تصبح بلا قيمة، وبالتالي يجب استخدامها خلال فترة زمنية معينة. وفي الحقيقة يعارض ذلك المفهوم العام للأصول المالية، حيث عادة ما تحتفظ أدوات مالية مثل الأسهم والسندات بقيمة لفترة طويلة.
- التسوية: من الناحية النظرية يمكن تسوية عقود المشتقات نقداً أو عينياً، بمعنى أن الشخص الذي ينفذ العقد يمكنه أن يطلب تسليمه السلعة المتفق عليها أو ما يعادل قيمتها من أموال.
- بالعودة إلى الواقع، ما يحدث دائماً في سوق المشتقات المالية الحديث هو تسوية نقدية لكافة عقود المشتقات، ونادراً جداً جداً ما يطلب طرف تسليمه سلعة معينة في نهاية العقد، على الرغم من أنها من الناحية النظرية هي أساس التعاقد.
- معادلة صفرية: طرفا عقود المشتقات يراهنان ضد بعضهما البعض، بمعنى أن القدر الذي يكسبه أحدهما هو نفس القدر الذي يخسره الآخر. وهذا على خلاف ما يحدث في أسواق الأسهم، فارتفاع سهم معين يفيد جميع حاملي هذا السهم، ولكن هذا ليس هو الوضع في المشتقات، مما يجعلها أحد أكثر الأدوات المالية خطورة.
أسلحة دمار شامل
- المشتقات المالية سيئة السمعة وليس الجميع من جمهورها، هذه حقيقة. في رسالة بعث بها إلى مساهمي "بيركشاير هاثاواي" في عام 2002، وصف "وارن بافيت" المشتقات بأنها "أسلحة دمار شامل مالية"، مشيراً إلى أنها تحمل مخاطر يحتمل أن تكون لها آثار كارثية على النظام المالي.
- تُمكن المشتقات المالية عددا قليلا من الشركات من المشاركة في عدد كبير من العقود بفضل الرافعة المالية العالية التي توفرها هذه الأدوات. وقد يؤدي فشل هذه الشركات إلى انهيار النظام بأكمله، نظراً للعلاقات المتشابكة بين كبار اللاعبين في القطاع المالي.
- المسألة أشبه بأحجار الدومينو، وهذا بالضبط ما حدث في أزمة 2008 مع انهيار "ليمان برازرز". ولذلك لا تزال حتى الآن تعلو أصوات البعض مطالبة بفرض شروط تنظيمية صارمة على سوق المشتقات المالية.