جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2020/11/27
قبل أن تداهمه المتاعب الصحية خلال الأشهر الماضية ، وكذا فاجعته برحيل ولده عادل التي قللت من حركته ، كنت أحرص على زيارته الدورية في مكاتبه بالبنك اليمني في قلب التحرير أو شركة مأرب للتأمين في شارع الزبيري، وصار الآن التواصل ، الهاتفي والتقني، المتباعد نسبياً معه هو البديل لتلك الزيارات ، والتي كنت اهدف من ورائها إشباع رغبة الاستماع لكثير من الاسترجاعات السيروية له ، و التي كانت محط أحاديثنا الطويلة عن المدن والناس والتاريخ السياسي والاقتصادي لليمن كما عاشها تفصيلاً منذ منتصف الاربعينات في عدن التي دخلها طفلاً في الثامنة، حين افتتح والده محلاً بسيطاً من أوقاف "مسجد أبان" لبيع المواد الغذائية والخردوات في موقع اسمه ممر العطارين ، تتفرع منه أسواق كريتر العتيقة " سوق البهرة والاتحاد والحدادين".. في تلك الفترة بدأ يتعلم القراءة والكتابة في معلامة ملحقة بالمسجد على يد الفقيه عبد الباري الفتيح والد الشاعر الكبير محمد الفتيح، وبعد المعلامة درس في مسجد أبان الذي كان يتولى الخطابة وإمامة الصلاة فيه والوعظ عبد القادر أحمد علوان آخر رئيس للاتحاد اليمني ، ومحمد عوض باوزير ، والشيخ مطهر الغرباني ، وبعدها بسنوات قليلة كان شاهد عيان على احراق حافة اليهود في العام 1948، بواسطة القطط التي كانت تربط في أذيلها أقمشة مشبعة بالوقود وإشعالها ثم إطلاقها الى مداخل البيوت المتلاصقة لأحداث أكبر خراب فيها, في رد فعل على احتلال فلسطين,
غير أن 1952 هي السنة التي يستعيدها كمدخل للحديث عن سيرة تكوينه الثقافي الباكر ، حين التحق بمدرسة بازرعة في منطقة العيدروس ، حيث سيدرس لعامين على يد قاسم غالب و علي عبد العزيز نصر وعلي عبد الكريم الشيباني في عام 1954 التحق بكلية عدن في دار سعد التي أنشأها الانجليز لطلاب المحميات الشرقية والغربية والمولدين الصومال وأبناء الشمال الحاصلين على مخالق المستعمرة ، ويتذكر من تلك الفترة مزاملته لصالح الدحان وسعيد عبد الخبير النوبان وعبدالله سلام ناجي وسالم عبد العزيز وأحمد الخادم الوجيه ، ويتذكر أيضاً اضراب الطلاب تضامناً مع عبدالله عبد الرزاق باذيب حين حاكمته سلطة المستعمرة على مقاله ( المسيح الجديد الذي يتكلم الانجليزية).
غادر الى القاهرة في العام 1957 لإكمال التوجيهية ، التي أكملها في العام التالي ، ليلتحق بعدها بكلية العلوم السياسية ، غير أن مرض والده أجبره على ترك الدراسة والعودة الى عدن ، والانصراف تماماً لأعمال والده التجارية التي بدأت بالازدهار مع دخول علامات تجارية باسم السفاري مثل بسكويت صوت العرب وشاهي سيلاني، وغيرها.
مع انفجار ثورة 26 سبتمبر تمرد على والده والتحق بصفوف الثوار ، وعمل في قيادة تعز التي بدأت بحصر موجودات قصور الامام في صالة والعرضي ، ولم يستمر طويلاً اذ استدعي الى صنعاء ، التي أراد الوصول اليها جواً عن طريق الحديدة غير أن عطب الطائرة اضطره ،مع مجموعة من القيادات، السفر براً الى صنعاء على عربات مكشوفة ، وبالقرب من مناخة رأى أول مصفحة عسكرية مصرية تصعد الجبال للوصول الى صنعاء ، حتى أن قائدها سألهم اين هي صنعاء؟ قبل أن يسمعوا أصوات رصاص تنهمر عليها من الجبال المحيطة.
"يتبع"