مقابلات ومقالات

  • شارك:

الكاتب والشاعر محمد عبدالوهاب الشيباني يواصل الكتابة عن الهامة المصرفية اليمنية حسين السفاري (9)


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2021/02/19

 

زيارة الملكة لعدن ، والكلية ، وباصات سالم علي.

في آخر عام لي بمتوسطة بازرعة الخيرية شهدت عدن حدثاً بارزاً وهو زيارة ملكة بريطانيا للمدينة في أواخر شهر أبريل 1954، بقيت المدينة ومحيطها تتحدث عنه لسنوات، وكنت ضمن الطلاب المختارين من المدرسة للمشاركة في استقبالها في الميدان البلدي " ميدان الحبيشي الآن" ، بعد أن تمت مراسم الاستقبال الكبير قبلها بيومين في مدينة التواهي بالقرب من فندق "كريسنت"  ، الذي قيل أنه أعيد تهيئته خصيصاً لتنزل فيه برفقة زوجها الذي كانت تقضي معه في تلك الفترة شهر عسل زواجهما، كما أشيع.

أتذكر أنها كانت واقفة في منصة الميدان ترد علينا بالتحيات ونحن نمر أمامها وبأيدينا أعلام المملكة ، وبعد ذلك استقلت السيارة المكشوفة وجالت أرجاء الميدان لاستعراض الحشود ، وكان المئات من الناس يشاهدون الاحتفال من شرفات ونوافذ وأسطح البنايات المحيطة بالميدان والمطلة عليه، حتى أن أصدقاء لي قالوا أنهم شاهدوه بتلك الطريقة.

انتشرت صور تلك الزيارة ومنها الصورة التي تظهر وهي جالسة في المقعد الخلفي لسيارة مكشوفة سوداء بقبعتها الانيفة وفستانها البسيط وقفازتها اليدوية البيضاء الساحرة ، وصورها وهي تكرِّم الواجهات الاجتماعية في المدينة والمحميات ، وصورها وهي تزور مستشفى رقم 7 العسكري البريطاني في التواهي " مستشفى باصهيب" ، وصورها وهي تضع حجر الأساس لمستشفى الملكة في خور مكسر" مستشفى الجمهورية الآن" كانت شابة وجميلة لم تبلغ الثلاثين من عمرها ، وبقيت صورها تلك  تلهم الكثير من أبناء المدينة، وإن صورها وتذكارات الزيارة الخاصة بها بقيت تحتفظ بها الكثير من الأسر العدنية حتى يومنا .وفي تلك الزيارة بالغت المؤسسات والدوائر في الاحتفاء بتلك الزيارة ، وأن بعضها طلى واجهاته بالألوان الزيتية.

بعد أن أنهيت المتوسطة في مدرسة بازرعة الخيرية في صيف العام 1954، انتقلت للدراسة في كلية عدن التي أنشأها الإنجليز في منطقة بين دار سعد والشيخ عثمان في منطقة عرفت بنمبر ستة ، والتي تقول الوثائق أن تخطيط بنائها بدأ في العام 1948 في منطقة حدودية بين المستعمرة الانجليزية والسلطنة العبدلية، لتتيح للطلاب المترشحين من الجهتين الالتحاق بها .  وكان التحاقي بالكلية مع طلبة متفوقين أتذكر منهم "فرج جوبان و وهيب عبد الرحيم ومحمد محسن مكاوي، وشهاب غانم" أما الخريجون الأقل تفوقاً فقد تم توزيعهم على الكلية الفنية بالمعلا .

 

وما كنت لألتحق بكلية عدن كطالب لولا المَخلِقة ( شهادة الميلاد) الانجليزية التي تدبرها والدي مع صديق له من بيت خليل أسمه عبد القوي خليل ،وهو ابن عم للفنان العدني الكبير " خليل محمد خليل" الذي كان وقتها مديراً للسجن القديم " معسكر عشرين"، وكان عبد القوي يعمل محامياً  معروفاً، ويعشق حتى الجنون أم كلثوم ، وأنه في إحدى زياراته للقاهرة أخذ معه مجموعة من الهدايا اليمنية الثمينة لها من لوز بلدي وزبيب وعسل وبعض سلع عدن الراقية ، وحين عاد كان يحمل معه صورة برفقتها ، وكان ذلك بعد عام من زيارة فريد الأطرش لعدن، والتي صارت هي الأخرى من أهم الأحداث التي شهدتها المدينة ، بعد زيارة الملكة ، وتسبق ،من حيث الرواج ، زيارة غاندي الشهيرة للمدينة .

أتذكر من أيام كلية عدن أنني كنت أصحو في الرابعة فجراً وألبس ثياب الكلية الأنيقة  بصفتي مسئول مال للطلبة ثم أذهب إلى فرن في سوق الاتحاد فأشتري ملء كرتون روتي أبو صندوق شاحط ( نوع من أنواع الخبز الطازج الذي يحضر بقوالب )  ، بعد أن أكون قد اشتريت في الليلة السابقة علبة زبدة ( كينيا بتن)  وأحملهما معي إلى موقف باص الكلية، الذي يتوقف في بجيشة ( حديقة)  كريتر أمام البريد الجديد بالقرب من الملعب ، ويقف معه ثلاثة باصات أخرى لنقل طلاب كريتر إلى الكلية، من البانيان والفرس والصومال والعرب اليمنيين، وكانت هذه الباصات بلا نوافذ وبكراسي خشبية تأخذنا في وقت مبكر من كريتر إلى خور مكسر ثم طريق المملاح القديم مروراً بالشيخ عثمان وصولاً إلى دار سعد، وكنا نصل أحياناً منهكين من شدة الرياح التي تلفح وجوهنا ،  وكانت تلك الباصات تستأجرها الكلية من شركة الأتوبيس التي يمتلكها سالم علي عبده.

من أيام كلية عدن  بسنينها الأربع لم أزل أتذكر مديرها الإنجليزي "مستر شرابس" ، الذي كان صاحب شخصية قوية ، ومنذ أول يوم لنا في الكلية علَّمنا نظامها الصارم بما فيه كيفية لبس ربطة العنق, وطريقة تناول الطعام ، والحفاظ على النظافة. وكنت، أول ما نصل الكلية، أقوم بتسليم الزريقي ( مسئول المقصف) الروتي والزبدة ، فيقوم بتحضير السندويشات لطلاب المجموعة التي معي ،من ال جرجرة ولقمان والصومان والهنود والفرس الذين نُحمل على باص واحد، قبل أن ندخل الفصول، ثم ننتظر حتى ميقات الغداء بعد صلاة الظهر ،التي تؤدى بمسجد داخل الكلية لمن أراد، ويُقدم لنا الغداء مع طلاب القسم الداخلي في الكلية وكان يتكون عادة من قطعة لحم وأرز وشربة خضار وفاصوليا ، وكان يشرف على تلك العملية مسئول التغذية في الكلية شمسان سلام، بعد ذلك نتفرغ لإنجاز واجباتنا المدرسية، قبل أن تعود الباصات في الرابعة لأخذنا إلى نفس المكان الذي أقلتنا منه صباحاً، وكنت أعود بحقيبة ثقيلة بها دفاتر وكتب المدرسة بالإضافة إلى قطع معدنية من الشيلينات والعانات ، التي جمعها الزريقي من الطلاب ثمن السندويشات ، حتى أشتري بها الزبدة والروتي  لليوم الدراسي الجديد.

من دفعتي الطلابية في المدرسة ، كان بالاضافة إلى الطلاب المنتقلين معي من مدرسة بازرعة ، صالح الدحان وعبدالله سلام ناجي ، وعبد القادر سعيد،  الذي كان أكثرنا هدوءً ونظافة وتدين، وموسى يوسف أبوبكر الصومالي اليساري النابغة الذي كان قصيراً وبه حدبة صغيرة ،  وكان يتقدمنا بفصول دراسية عبد العزيز عبد الغني وعمر محمد عمر يعقوب و أنيس حسن يحيى الذي سبق وأن تعرفت عليه في كريتر ، فقد كان يسكن منطقة صيرة، و والده كان موظفاً بالمحكمة ، وكنت دائماً ما أراه بالكاكي وهو يوزع اشعارات المحكمة ، وكان معه أيضاً عبد الرحمن فخري وشقيقين من أبناء الباقر في الشيخ عثمان ، وهؤلاء الأربعة  بالاضافة لمحمود عبد القادر علوان وفؤاد إحسان الله سأجدهم في العام 1958 في لاضوغلي في القاهرة وهم في منح طلابية ومبتعثين من حزب الرابطة . وغير هؤلاء كان أيضاً في الصفوف المتقدمة  د قيس غانم ود جعفر الظفاري. أما في داخلية الكلية فقد كان  الكثير من طلاب المحميات الشرقية والغربية أتذكر منهم سالم عبد العزيز وسعيد عبد الخبير النوبان ومحمد محسن عطروش وشخص من أسرة البار، وآخرين.

لم أزل أتذكر كيف أن واحداً من أبناء غانم وهو شهاب غانم بكى كثيراً حين تفوق عليه طالب بسيط،  كان يأتي من التواهي مع عبدالله سلام ناجي أسمه أحمد سيف من جهة ذبحان،  والده كان يعمل طباخاً عند الانجليز، وعلى ذكر هذا الطباخ فقد كان العديد من أباء الطلاب المميزين لاحقاً في نادي الأغابرة وذبحان كان أباؤهم يعملون طباخين في بيت الموظفين الانجليز وتعلموا منهم النظام والنظافة والأناقة، ومنهم عبد العزيز عبد الغني و عبده الدحان الأغبري والد صالح الدحان.

كانت كل المواد تُدرَّس لنا في كلية عدن باللغة الانجليزية وأتذكر من معلمينا في الكلية لطفي جعفر أمان الذي كان يدرسنا تاريخ الإمبراطورية  وعبدالله محيرز الذي يعلمنا الرياضيات والحساب، وعبد الله هاشم العراقي مدرس الأدب العربي القديم وخصوصاً كتاب طه حسين الشعر الجاهلي، وهذا المدرس قيل أنه جاء هارباً من العراق بعد فشل ثورة رشيد الكيلاني.

في العام 1955 أقامت الكلية حفلاً لخريجيها فاقتحم المنصة عبدالله سلام ناجي  وألقى قصيدة حماسية ضد الاستعمار وأعراب النفط، دون أن يكون اسمه ضمن برنامج الحفل، فقامت الكلية بفصله نهائياً ، وسعى لاحقاً من أجله كثيرون ليحصل على منحة دراسية إلى القاهرة بواسطة أحد الأندية بعدن.

في هذه السنوات بدأت علاقتي تكبر بعلي محمد عبده ، الذي كان يسكن في بنجلة عبد الملك أسعد الأغبري بالقرب من ممر العطارين، قبل أن ينتقل إلى الاتحاد اليمني في حافة القاضي ويسكن إلى جوار قاسم غالب ، والعميد محمد علي الأكوع الذي هرب إلى عدن بعد أحداث الجيش في تعز في العام 1955 ( حركة الثلايا) . و كان علي يعمل مهندس مكيفات في الشركة العربية في منطقة القطيع  ويعود عصراً إلى البنجلة لتغيير ملابسه  لينظم إلى رفاق "شرفة الخليج الثائر"  في فندق قصر الجزيرة، الذين تبدا نقاشاتهم في الشان المحلي والقومي والعالمي ولا تنتهي، وقد كانت تزداد سخونة كما كان يمر بعدن محمد أحمد النعمان " النعمان الأبن" . أتذكر أنه كان يجلس لوقت طويل تحت لمبة عمومية أسفل البنجلة يكتب على أوراق علب السجائر الفارغة، ومن هذه الكتابات خرجت روايته "مذكرات عامل" التي نشرها لاحقاً مسلسلة في إحدى الصحف العدنية الاسبوعية، والحقها برواية "حصان العربة" .

بالقرب من ميدان التاكسي  تقع عمارة وفندق إحسان الله والد المناضلة رضية إحسان، وكانت مطبعة  وجريدة البعث لصاحبها محمد سالم علي تحتل محلات أسفل العمارة ، وعن هذه المطبعة صدرت أول مجموعة قصصية ملمومة في كتاب وهي مجموعة " انت شيوعي" لصالح الدحان في العام 1956.

في تلك الفترة كان محمد سالم البيحاني نجم في سماء عدن ، وكان مسجد العسقلاني الذي يعمل فيه خطيباً وإماماً يستقطب مئات المتدينين من كل أنحاء عدن، فقد كانت خُطبه تدغدغ المشاعر البسيطة ، و كنت ، في كل جمعة ،أذهب بمعية والدي وأصدقائه من أصحاب المحلات في السوق، وكذلك أقراني للصلاة في المسجد الذي تمتلئ جنباته وتفيض إلى الشوارع المحيطة به وتصل إلى جوار مطبعة الحظ لصاحبها "لالجي" وصحيفة اليقظة لصاحبها عبد الرحمن جرجرة.

(*) الصورة مجمَّعة للملكة في زيارتها لعدن، وفندق كريسنت في التواهي ،  وباصات النقل،  ومروحة الملح في طريق المملاح، وفريق النشاط الرياضي في كلية عدن.

(يتبع)

الكاتب والشاعر
 محمد عبد الوهاب
 الشيباني يكتب عن
 الهامة المصرفية اليمنية
 حسين السفاري (1)

الكاتب والشاعر
 محمد عبد الوهاب
 الشيباني يواصل الكتابة عن
 الهامة المصرفية اليمنية
 حسين السفاري (2)

الكاتب والشاعر
 محمد عبد الوهاب
 الشيباني يواصل الكتابة عن
 الهامة المصرفية اليمنية
 حسين السفاري (3)



الكاتب والشاعر
 محمد عبد الوهاب
 الشيباني يواصل الكتابة عن
 الهامة المصرفية اليمنية
 حسين السفاري (4)


الكاتب والشاعر
محمد عبد الوهاب الشيباني
يواصل الكتابة عن
الهامة المصرفية اليمنية حسين السفاري (5)



الكاتب والشاعر
 محمد عبد الوهاب
 الشيباني يكتب عن
 الهامة المصرفية اليمنية
 حسين السفاري (6)

الكاتب والشاعر
 محمد عبد الوهاب
 الشيباني يكتب عن
 الهامة المصرفية اليمنية
 حسين السفاري (7)

الكاتب والشاعر
 محمد عبد الوهاب
 الشيباني يكتب عن
 الهامة المصرفية اليمنية
 حسين السفاري (8)

 

إقرأ أيضا.....

 

اخبار اقتصادية ومصرفية

تقارير البنوك السنوية

مقابلات ومقالات

تقارير مصرفية واقتصادية

أخبار البنوك

اخبار الجمعية

 
ليصلك المزيد من
الأخبار الاقتصادية
والمصرفية سجل
 إعجابك بصفحتنا
 في الفيس بوك

 

ليصلك المزيد من
الأخبار الاقتصادية
والمصرفية سجل
 إعجابك بصفحتنا
 فــي تــويــتــر

 
جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP