جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2021/03/11
الخال صانع الحلوى، وعيد الدراهين، وشطاطين الصومالي
بعد عام من مكوثي في عدن حل علينا العيد ، فقال والدي عليكما - أنا وأخي الأكبر عبد الله- بزيارة خالكما في التواهي ، والذي كان يمتلك محلاً لصناعة وبيع الحلويات . كنا بملابسنا العيدية البسيطة ( الأثواب الطويلة والكوافي) ، وننتعل الشباشب البلاستيكية الزرقاء" الشنابل" ، كان أخي يعرف محل خالي جوار بئر التواهي القديم ، لم تكن هناك وسائل مواصلات عامة " تاكسي أو باص". في الصباح الباكر انطلقنا عبر طريق "يسلكه المارة " ابتدأ من السوق إلى الخساف ، فباب عدن ، هبوطاً إلى الشيخ اسحاق ، فحجيف" برشة" ، وصولاً إلى التواهي ؛ بعد ساعتين وصلنا منهكين تماماً ، ولم تحتمل أحذيتنا البلاستيكة ، طول المسافة ووعورة بعض المسالك، وارتفاع الحرارة التدريجي مع ذهاب النهار إلى انتصافه القائض.
غير أن استقبال الخال الدافئ لنا وحلويات العيد ومرطباتها التي منحنا إياها " اللدو والمشبَّك وحلاوة اللبن والهريسة والليم لايت " أنستنا تعب الطريق ، والأكثر إدهاشاً حين أخذنا إلى رصيف " دكة الأبكاري" ، ثم أركبنا بقارب صغير للنزهة ،طاف بنا في محيط الرصيف ، وأتذكر من تلك النزهة ، أن صاحب القارب كان شاباً صومالياً طويل القامة وعنيف ، وأنه بعد أن قام بتنزيهنا عاد لنفس المكان بسرعة ، فانبرى له مجموعة من الأطفال الذين كانوا معنا في ذات القارب واتهموه بأنه احتال على الجميع ، وقالوا سيشكونه عبر أوليائهم للشوكي(البوليس) ، فانفعل ورد علينا بكلمات ملخبطة أتذكر منها قوله " روحين ابكين حتى للشطاطين" ، فضحكت كثيراً، ولم تزل هذه الجملة ترن باذني ، وأتذكرها كلما سمعت صومالياً يقلب الكلام في حديثه .
أتذكر أيضاً ألعاب الدراهين الخشبية " دراهين زيطي ميطي" والتي كنا نغني أثناء ركوبنا عليها ( درهانه زيطي ميطي /سلمي على سيدي / سيدي سافر مكة/ جاب لي زنبيل قعقع/ فرقته حبه حبه/ ما بقت إلا حبه )
وبعد الدراهين ركبنا الجمال المزينة بالحنَّا ء والأقمشة الملونة وطافت بنا على ميدان الكُبَّة، ومنحت، هذه الوقائع ، ذلكم العيد مذاقاً خاصاً ، لم أزل أتذكره بكثير من البهجة بعد أكثر من سبعين عاماً من مروره في حياتي ، أما طريق العودة من التواهي فقد كانت بذات الكيفية، وبدأناها حينما بدأ الطقس بالاعتدال بعد عصر نفس اليوم، لنصل إلى ممر العطارين مع حلول المغرب، بعد أن فعلت التواهي بنا من الدهشة ما فعلت ، لهذا صارت مدينة التواهي أحب مناطق عدن لي بعد مدينة كريتر، فمبانيها الحديثة وشوارعها الفسيحة ومحلاتها المنظمة التي تعرض المنتجات الحديثة للسياح الذين يهبطون إليها من البواخر واليخوت ، أو تلك السلع التي ينقلها البائعون للسياح والمسافرين الذين تقف سفنهم في عرض البحر، ويصل إليها الباعة بزوارق صغيرة، ويصعِّدون البضائع إليهم بواسطة زنابيل وقفف من سعف النخل، ولا يُسمح أبداً للباعة بالصعود إلى ظهور البواخر والسفن، خشية مغادرتهم عليها إلى بلدان أخرى ، كما كان يحدث قبل ذلك، مع كثير من مغامري الهجرة.
وعلى ذكر الخال ، الذي توفي قبل سنوات قليلة عن تسعين عاماً وأكثر، أنه كان رجل متدين للغاية ، وحين أرادوا بعد موجة التأميمات في عدن منتصف السبعينات، تمليكه محلاً فرفض ذلك رفضاً قاطعاً ، لأنه لا يريد ظلم مالكه الحقيقي، واستباحة حقه ، وإلى الآن استغرب من كونه عمل بمهنة صناعة الحلويات الهندية واللحجية ، رغم أنه لا أحد غيره من أبناء منطقتنا في ناحية المقاطرة ، في ذلك الوقت ، اشتغل بتلك المهنة، فقد كان الشائع في مهنهم التي يعتاشون منها هي المقاولات الصغيرة، ومن عملهم كبنائين ومعلمي بناء " وساطية"، والميسورون منهم يمتلكون محلات في الأسوق العمومية كوالدي.
وحين غادر عدن إلى الحديدة منتصف السبعينيات ، أراد أن يعيد الكرَّة من جديد مع صناعة الحلوى، بعد أن أحضرَ معه المقلاة الكبيرة وأدوات العصد وبعض المستلزمات، لكن الحديدة كانت غير عدن تماماً ، ففشلت تجربته ، فحوَّل المحلاوة لاحقاً وبعد اشهر قليلة إلى محل لبيع المفروشات والحصير والأقمشة الرخيصة ، وظل يراوده حلم الاستقرار والموت بمكة دون أن يتحقق حلمه ، مثلما تبدد حلم صناعته للحلوى في مدينة الحديدة.
( يتبع)
الكاتب والشاعر
محمد عبد الوهاب
الشيباني يكتب عن
الهامة المصرفية اليمنية
حسين السفاري (1)
الكاتب والشاعر
محمد عبد الوهاب
الشيباني يواصل الكتابة عن
الهامة المصرفية اليمنية
حسين السفاري (2)
الكاتب والشاعر
محمد عبد الوهاب
الشيباني يواصل الكتابة عن
الهامة المصرفية اليمنية
حسين السفاري (3)
الكاتب والشاعر
محمد عبد الوهاب
الشيباني يواصل الكتابة عن
الهامة المصرفية اليمنية
حسين السفاري (4)
الكاتب والشاعر
محمد عبد الوهاب الشيباني
يواصل الكتابة عن
الهامة المصرفية اليمنية حسين السفاري (5)
الكاتب والشاعر
محمد عبد الوهاب
الشيباني يكتب عن
الهامة المصرفية اليمنية
حسين السفاري (6)
الكاتب والشاعر
محمد عبد الوهاب
الشيباني يكتب عن
الهامة المصرفية اليمنية
حسين السفاري (7)
الكاتب والشاعر
محمد عبد الوهاب
الشيباني يكتب عن
الهامة المصرفية اليمنية
حسين السفاري (8)
الكاتب والشاعر
محمد عبد الوهاب
الشيباني يكتب عن
الهامة المصرفية اليمنية
حسين السفاري (9)