جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2022/07/22
الأسبوع الماضي ظهر مزيد من البيانات الاقتصادية اللافتة للنظر، خذ التضخم، مثلا، تبين أن معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة 9.1 في المائة في حزيران (يونيو)، وهو أعلى مستوى منذ 1981.
الأمر الذي لا يثير الدهشة أن ذلك أدى إلى زيادة التوقعات بارتفاعات مستقبلية حادة بشكل متزايد في أسعار الفائدة، هذا بدوره يدفع هيئات مثل صندوق النقد الدولي إلى خفض توقعات النمو في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.
لكن في حين أن المستثمرين والاقتصاديين قلقون بشأن الركود، هناك سؤال آخر ذو صلة يجب التفكير فيه، كيف يؤثر التضخم المرتفع وارتفاع أسعار الفائدة في جبل الديون المتزايد في العالم؟
خلال معظم فترة الأعوام العشرة الماضية، في الأغلب تم تجاهل مسألة الديون من قبل النقاد، لأن الانخفاض لعقود عدة في أسعار الفائدة والتضخم أبقى تكاليف خدمة المقترضين منخفضة، أو في حالة هبوط، لكن رقم الأسبوع الماضي يؤكد أن الأوضاع قد تغيرت، بيانات الديون لافتة للنظر تماما مثل التضخم.
تقرير حديث من “جيه بي مورجان”، يعالج إحصاءات من معهد التمويل الدولي، يفصل المشكلة بشكل صارخ، يشير التقرير إلى أن إجمالي الدين العالمي كان 352 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من هذا العام، شكلت ديون القطاع الخاص ثلثي هذا الدين، وشكلت ديون القطاع العام الثلث الآخر.
الخبر السار هو أن هذه النسبة انخفضت بشكل طفيف من ذروة بلغت 366 في المائة في أوائل 2021، بسبب النمو العالمي القوي، لكن الخبر السيئ هو أن النسبة الحالية لا تزال 28 نقطة مئوية فوق مستويات 2019 ـ قبل أن تؤدي إغلاقات “كوفيد – 19” إلى إثارة عمليات اقتراض محمومة من قبل الحكومات والقطاع الخاص.
علاوة على ذلك، كانت الزيادة في حقبة الوباء واسعة النطاق وجاءت بعد قفزة كبيرة في الديون خلال الأزمة المالية العالمية في 2008 – وكانت الأولى أكبر بكثير من الثانية، بالتالي، إجمالي الدين العالمي اليوم، بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، يزيد على ضعف مستواه في 2006 – وثلاثة أضعاف معدل 2000 “عندما كان أقل من 100 في المائة”.
نعم، لقد قرأت ذلك بشكل صحيح، ارتفعت الرافعة المالية في النظام الاقتصادي العالمي أكثر من ثلاثة أضعاف في هذا القرن، وكان السبب الوحيد وراء عدم ملاحظة ذلك “في الأغلب” انخفاض أسعار الفائدة.
إذن، ما الذي قد يحدث الآن إذا ارتفعت أسعار الفائدة؟ لا أحد يعلم، إذا كنت تريد أن تكون متفائلا، فقد تجادل بأنه لا داعي للذعر لأن الديون المتصاعدة سمة من سمات عالم متكامل عالميا ومتطور بشكل متزايد، بالتالي هذا ليس عيبا، تماما مثلما يستخدم مستهلكو القرن الـ21 بطاقات الائتمان بدلا من النقد للتسوق، ما يجعل ديون المستهلكين تبدو أكبر من ذي قبل حتى لو لم يتغير الإنفاق على التجزئة، فإن نشاط الشركات اليوم مدعوم بتدفقات ائتمانية معقدة للغاية.
توجد أيضا تدفقات ائتمانية داخل أرقام الديون الإجمالية الرئيسة التي تلغي بعضها بعضا في بعض الأحيان، وأحيانا يقابل ارتفاع قيمة الالتزامات ارتفاع قيم الأصول، فاليابان لديها أعلى نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، تدين الوكالات الحكومية المختلفة بالديون لبعضها بعضا.
وبينما تبلغ ديون القطاع الخاص في الصين ما يقارب ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، فإن الحكومة الغنية تدعم ضمنيا بعض القروض، الولايات المتحدة لديها أيضا ديون ثلاثة أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي، لكن هذا الاقتراض يقابله جزئيا ارتفاع قيم الأصول الخاصة والعامة.
يشير تقرير حديث صادر عن لجنة معنية بالنظام المالي العالمي إلى أن “الزيادة الإجمالية في إجمالي الدين قد تبالغ في تقدير ارتفاع شدة التأثر بالديون”، ويضيف “أن أي تحليل لتوزيعات نقاط التأثر يتطلب بيانات دقيقة، لا تتوافر في الأغلب من مصادر عامة”، مشيرا إلى أن طبيعة الدائنين، وقيمة الأصول المقابلة، وآجال الدين عناصر مهمة.
مع ذلك، حتى مع هذه التحذيرات، من الواضح أن الاتجاه يثير قلق اللجنة المعنية بالنظام المالي العالمي – لدرجة أن تقريرها يستخدم البيانات الداخلية للبنوك المركزية لمحاولة نمذجة بعض “نقاط التأثر” في القطاع الخاص، ينتج عن هذا مجموعة كبيرة من البيانات الدقيقة المذهلة، لنذكر مثالا واحدا، في حين أن 50 في المائة من ديون حقبة الوباء التي تتحملها الشركات في إيطاليا وإسبانيا مستحقة السداد في العامين المقبلين “ما يجعلها عرضة لارتفاع أسعار الفائدة”، في ألمانيا وأمريكا، تبلغ النسبة 25 في المائة فقط.
أو، مثال آخر، اللجنة المعنية بالنظام المالي العالمي تحسب أن 17 في المائة من الشركات في الاقتصادات الصناعية “مثقلة بالديون”، أو هي كيانات لا يمكن إبقاؤها على قيد الحياة إلا بفضل أسعار الفائدة المنخفضة ـ في 2006 كانت هذه النسبة 10 في المائة، مثال ثالث، تتوقع نحو 90 في المائة من الأسر الألمانية أن تستمر أسعار المساكن في الارتفاع، مقارنة بـ40 في المائة في أوائل 2020 – وهو نمط قد “يضخم الارتفاع الحالي في الائتمان الأسري” كما قالت اللجنة المعنية بالنظام المالي العالمي.
تشير هذه التفاصيل إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة سيوجد كثيرا من صدمات الديون الصغيرة في الأعوام التالية، في الواقع، بدأت هذه الأمور في الظهور بالفعل، في القطاع السيادي “مثلا، سريلانكا”، وعالم الشركات الغربية “الخطوط الجوية الاسكندنافية أو ريفلون”، ومجال الشركات في الأسواق الناشئة “في حالات مثل إيفرجراند في الصين”
لكن السؤال المثير حقا هو، هل يمكن لنظام ذي رافعة مالية مضاعفة ثلاث مرات أن يزيل الديون حقا، دون أن يعاني أزمة كاملة “أي تخلف شامل عن السداد”؟ في النهاية، من غير المرجح أن يوفر النمو طريقا للخروج، بينما يعد التضخم “طريقا محتملا لخفض الديون بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي”، كما يشير تقرير “جيه بي مورجان”، فإن هذا لا ينجح إلا إذا كان التضخم “غير متوقع ولا يؤدي إلى رفع أسعار الفائدة”، هنا يكمن التحدي الذي يواجه البنوك المركزية – كذلك السؤال الفلسفي الكبير المعلق على نظامنا الاقتصادي العالمي للقرن الـ21.