جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2022/11/26
منذ شهر مايو (أيار) الماضي، سيطر اللون الأحمر على منصات تداول العملات الرقمية، وظلت الخسائر تطارد السوق إلى أن جاء شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ليتحول إلى كابوس مرعب يطارد المستثمرين بعد موجة الانهيارات والإفلاسات، لكن على رغم هذه الموجة العاصفة من الخسائر تشير التوقعات إلى أن الأسوأ لم يأت بعد.
وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، أعلن عن انهيار منصة "أف تي أكس"، وهي بورصة تشفير بمليارات الدولارات أنشأها أحد أكبر وألمع نجوم سوق الـ "كريبتو" وهو سام بانكمان فرايد، وهز إفلاس المنصة الشهيرة أُسس منظومة التشفير بأكملها، إذ تراجعت أسعار الرموز في كل المجالات، حيث اندفع المستثمرون نحو الخروج من المراكز المحفوفة بالمخاطر، وفي حالة من الذعر سارع المودعون إلى سحب أموالهم من عديد من منصات التشفير، ما أجبر المقرضين على وقف عمليات السحب، وهو ما وصفه أحد مراقبي الصناعة بأنه "مراقبة الموت"، وبين عشية وضحاها تحول بانكمان فرايد من "بطل" في سوق العملات الرقمية إلى "شرير".
وبخلاف الخسائر التي تكبدتها العملات الرقمية خلال الأشهر الماضية، توقع بنك "جي بي مورغان" استمرار تراجع سعر عملة "بيتكوين" المشفرة ووصولها إلى 13 ألف دولار، وذلك مع اضطرار مزيد من المستثمرين إلى تغطية مراكزهم المكشوفة بسبب التراجعات الأخيرة.
كيف بدأت الانهيارات وإلى أين تصل؟
في الثاني من نوفمبر الحالي، استشهدت مقالة من منشور التجارة المشفرة "كوين ديسك" بوثيقة مالية مسربة أثارت تساؤلات حول العلاقة بين بانكمان فرايد من جهة ومنصة "أف تي أكس" وبيت تداول "ألاميدا" من جهة أخرى.
على الورق، كانت "أف تي أكس" و"ألاميدا"، شركتين منفصلتين صودف أن الرجل نفسه يملكهما، لكن مقالة "كوين ديسك" ذكرت أن "ألاميدا" "تستند إلى أساس مكون إلى حد كبير من عملة اخترعتها شركة شقيقة".
وبعد أيام قليلة، قال رئيس منصة "بينانس"، وهي أكبر منافس لشركة "أف تي أكس"، إن الشركة ستصفي ما قيمته 580 مليون دولار، وأدى ذلك إلى اندلاع عاصفة نارية من التراجع، لم يكن لدى "أف تي أكس" المال اللازم لتسهيلها، ومع انتشار حالة من الخوف والهلع انخفضت قيمة العملات وطاردت الخسائر أكبر العملات وأقواها في سوق "الكريبتو".
وواجهت شركة "أف تي أكس" أزمة سيولة هائلة، لقد احتاجت إلى خطة إنقاذ، ولفترة وجيزة بدا أنها قد يتم إنقاذها من قبل شركة منصة "بينانس"، منافستها التي أدى انسحابها إلى تصعيد الأزمة، حيث قالت إن مشكلات (أف تي أكس) خارجة عن إرادتنا أو قدرتنا على المساعدة".
وفي 11 نوفمبر الحالي، تقدمت "أف تي أكس" و"ألاميدا" بطلب الإفلاس، واستقال "بانكمان فرايد" من منصب الرئيس التنفيذي للبورصة، وكتب في اعتذار مطول على "تويتر"، "لقد انتهيت". وعلى الفور سارعت "أف تي أكس" إلى تعيين خبير إعادة الهيكلة جون جيه راي الثالث، كرئيس تنفيذي لرعاية ما تبقى من الشركة من خلال الإفلاس.
وألقى "راي" نظرة فاحصة على البيانات المالية للشركة لمعرفة مقدار ما تحتفظ به من الأصول والخصوم بالضبط، وبعد أسبوع من توليه مسؤولية إعادة الهيكلة أعلن أنها أكبر فوضى واجهها على الإطلاق.
يأتي ذلك التصريح من مسؤول تنفيذي صنع اسمه في الإشراف على تصفية "إنرون"، وهي أكبر عملية إعادة تنظيم إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة.
وكتب راي في إيداع للمحكمة، "لم أر في حياتي المهنية مثل هذا الفشل التام في ضوابط الشركة والغياب التام للمعلومات المالية الجديرة بالثقة كما حدث هنا"، وتضمن الملف دلائل عدة على وجود سوء إدارة هائل واحتيال محتمل تحت قيادة "بانكمان فرايد"، لكن لم توجه أي تهم إلى بانكمان فرايد بارتكاب أي جرائم.
صناعة التشفير على حافة الهاوية
لكن المؤشرات تؤكد أن صناعة العملات المشفرة تقف على حافة الهاوية، وفي انتظار مزيد من الانهيارات والإفلاسات، وبعد فترة وجيزة من انهيار "أف تي أكس"، تلقت شركات التشفير طلبات من العملاء الذين يسعون إلى استرداد أموالهم، واضطر عديد من الشركات إلى تعليق عمليات السحب أثناء حل مشكلات السيولة لديها، ويقول دانييل روبرتس، وهو أحد مراقبي سوق "الكريبتو"، إن "في عالم التشفير، في اللحظة التي ترى فيها شركة تعلن، نحن نوقف عمليات السحب موقتاً... عليك أن تضعهم في حالة حراسة الموت... من غير المعتاد أن يقول أحدهم نحن نوقف الانسحابات، ثم يقولون حسناً الانسحابات تعود، نحن بخير".
ومن بين الشركات المعرضة للخطر، "بلوك في"، التي أعلنت تعليق معظم عملياتها على خلفية انهيار المنصة الشهيرة، ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، تستعد "بلوك في" لتقديم ملف إفلاس محتمل.
ولا تقتصر الأضرار على شركات التشفير، إذ خفضت شركة "سيكويا" لرأس المال الاستثماري استثماراتها البالغة 210 ملايين دولار في منصة "أف تي أكس" إلى الصفر.
كذلك أعلنت هيئة "خطة تقاعد المعلمين" في "أونتاريو"، التي استثمرت 95 مليون دولار، إنها تعتقد الآن أن الاستثمار لا قيمة له، وربما يكون ما يقرب من مليون شخص قد فقدوا كل الأموال التي وضعوها في منصة "أف تي أكس".
في غضون ذلك تتدخل منصة "بينانس" باعتبارها شريان الحياة المحتمل للشركات المتضررة من انهيار منصة "أف تي أكس".
وقبل أيام، قال الرئيس التنفيذي لمنصة "بينانس"، تشانغنغ زاهو، إن فريقه سيؤسس "صندوق إنعاش الصناعة" للمشاريع التي تواجه أزمة سيولة.
وسارعت "بينانس" وآخرون إلى محاولة التمايز عن "أف تي أكس"، وطمأنت العملاء والمستثمرين بأن بياناتهم المالية تستند إلى أسس صلبة.
وقال تشانغنغ زاهو إن انهيار منصة "أف تي أكس" لا يمثل خطراً على استثمارات "بينانس"، وحينما سئل عن إمكان رد أموال المستثمرين في حال طلبها، قال "نحن نرحب بذلك دائماً ولا يوجد لدنيا مشكلة".
الانهيار تسبب في تدمير الثقة في السوق
وقبل أيام أعلنت منصة "أف تس أكس"، إن ممثليها على اتصال بـ "عشرات" الوكالات التنظيمية الفيدرالية والولائية والدولية، وإضافة إلى التحقيق في المنطقة الجنوبية من نيويورك، يقال إن المنصة المنهارة تخضع للتحقيق من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات ولجنة تداول السلع والعقود الآجلة.
وفتحت السلطات في جزر الباهاماس، حيث يقع مقر المنصة الشهيرة، تحقيقاً جنائياً بعد فترة وجيزة من تقديم الشركة طلباً للإفلاس، وفي بيان حديث، قالت لجنة فرعية في مجلس النواب الأميركي، إنها تسعى للحصول على وثائق داخلية واتصالات من بانكمان فرايد و"أف تي أكس"، لفهم كيف انهارت بورصة العملات الرقمية فجأة، وما الذي يتم فعله لاستعادة أموال العملاء.
ويقول مات هوغان، رئيس قسم المعلومات في شركة "بيت وايز" لإدارة الأصول المشفرة، إنه "على المدى القصير أدى انهيار أف تي أكس إلى تدمير الثقة... سيفكر المستثمر الهامشي في العملات المشفرة الآن مرتين قبل التسجيل للحصول على حساب، وسيجلس عديد من المستثمرين المؤسسيين على الهامش في انتظار رؤية ما سيحدث".
وقارن قسم كبير من المراقبين العملات المشفرة بفقاعة الـ "دوت كوم" في أواخر التسعينيات، حيث أفلس كثير من الشركات، لكن تلك التي نجت مثل "أمازون"، ظهرت لتصبح حجر الزاوية في صناعة التكنولوجيا، وقد يسارع المتفائلون في مجال العملات المشفرة إلى الإشارة إلى أن بنك "ليمان برازرز" خلال أزمته في عام 2008 لم يقض على "وول ستريت" بالكامل، وقد يعارض المشككون ذلك بالقول إن ذلك حدث فقط لأن الحكومة الأميركية تدخلت، وهي نتيجة غير مرجحة إلى حد كبير في عالم التشفير غير المنظم.
ويقول الباحث الاقتصادي بيت إيرل من المعهد الأميركي للأبحاث الاقتصادية، إن "هناك محاولات لجعل هذا الأمر يتعلق بالعملات المشفرة والتنظيم الكافي، لكن هذه الكارثة لا علاقة لها بالعملات المشفرة في حد ذاتها... الأمر يتعلق بالاحتيال وقوة إشارات الفضيلة"، وأضاف أن "هذه الفضيحة بعيداً من تدمير العملات المشفرة تضمن عملياً بقاء العملة المشفرة لفترة طويلة جداً".
اندبندنت