جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2023/01/10
تتزايد الأدلة على أن كثيرا من عوامل الارتفاع الكبير في التضخم العام الماضي تتبدد، وصلت أسعار الغاز في أوروبا الآن إلى مستويات شهدت آخر مرة قبل الحرب الروسية – الأوكرانية في أواخر شباط (فبراير)، وانخفضت تكلفة شحن صندوق حديدي بطول 40 قدما من شنغهاي إلى لونج بيتش ما يقارب 8300 دولار في مثل هذا الوقت من العام الماضي إلى 1500 دولار، واتجهت أسعار السيارات المستعملة إلى الاتجاه المعاكس، حتى في المملكة المتحدة حيث كانت تفرض قيمة أعلى عليها من السيارات الجديدة.
هل يعني هذا تعسفا أقل من البنوك المركزية في العالم في 2023؟ ليس مباشرة، بعد ضخ كثير من المحفزات في الاقتصاد أثناء الأيام الأولى من الجائحة ثم الفشل في تحديد ثبات ارتفاع الأسعار حتى وقت متأخر، سيبدأ محددو أسعار الفائدة العام كما أنهوه، في حاجة ماسة إلى استعادة المصداقية بالحديث بحزم عن محاربة التضخم.
لا يتعلق هذا الخطاب المتشدد بإعادة بناء الثقة فقط. بينما تتراجع معدلات التضخم الكلي مع خروج التأثيرات الأساسية لارتفاع العام الماضي الحاد في أسعار الطاقة والغذاء من المؤشرات، لم تتلاش ضغوط الأسعار بالكامل.
لم تعد تؤدي مشكلات سلاسل الإمداد إلى ارتفاعات في أسعار السلع، لكن الاتجاهات في قطاع الخدمات وسوق العمل تستمر في إزعاج البنوك المركزية، ثم هناك الخوف المستمر من أن الجائحة واحتدام التوترات الجيوسياسية قد جعلا الاقتصاد العالمي بقدرة إنتاجية أقل من 2019، الذي، إن كان صحيحا، فسيعني أنه على محددي أسعار الفائدة تدمير الطلب لإعادة التضخم منخفضا إلى المستويات التي شهدت قبل بضعة أعوام.
سيعتمد إذا ما كان محددو أسعار الفائدة سيطابقون حديثهم الحازم مع ارتفاعات كبيرة في أسعار الفائدة على خطوة الاحتياطي الفيدرالي المقبلة، إن كان عام 2022 قد علمنا أي شيء، فهو أن الاحتياطي الفيدرالي هو الخطاف غير المرئي الذي تعلق عليه قرارات بقية محددي أسعار الفائدة في العالم.
لم يتعاون محافظو البنوك المركزية رسميا في 2022. لكنهم قد يكونون فعلوا ذلك أيضا. عندما بدأ جاي باول برفع أسعار الفائدة الربيع الماضي، كان البنك المركزي الأوروبي ينتظر ليرى ما سيحدث واختار بنك إنجلترا زيادات متواضعة في أسعار الفائدة بلغت ربع نقطة، ويميل محافظو البنوك المركزية “ومراقبوهم” إلى تفضيلها، بحلول الخريف، تبع البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا خطى الاحتياطي الفيدرالي ورفعا أسعار الفائدة بزيادات ضخمة بمقدار 0.75 نقطة مئوية، وتيرة غير معتادة من التشديد صدمت المستثمرين في كل مكان. مع نهاية العام، أتى بنك اليابان بمفاجأته المتشددة أيضا.
استطاع الوصي النقدي للولايات المتحدة جعل البقية يتماشون معه من خلال قوة الدولار الهائلة. محافظو البنوك المركزية مكرهون على الاعتراف بالضغط الذي تمارسه أسواق الصرف الأجنبي، لكن مدى انخفاض كل العملات الرئيسة تقريبا أمام الدولار الأمريكي أخافهم، انخفض اليورو 16 في المائة تقريبا في وقت ما من 2022، وانخفض الجنيه الاسترليني أكثر من 20 في المائة، والين بربع تقريبا، كان ردهم هو اتباع الاحتياطي الفيدرالي وزيادات ضخمة في أسعار الفائدة.
قد يكون هذا العام من الأعوام نادرة الحدوث التي يتضح فيها أن اقتصاد الولايات المتحدة الضعيف نعمة لا نقمة لباقي العالم، في حال خفف الضغط على باول لرفع أسعار الفائدة، إذا تحول البنك المركزي الأمريكي من زيادة أسعار الفائدة بنصف نقطة إلى ربع نقطة مبكرا العام المقبل، فسيفسح المجال للآخرين لأن يحذوا حذوه، يكمن الخطر في استمرار سوق العمل المحمومة في الولايات المتحدة وعدم تخفيف الاحتياطي الفيدرالي سياسته. سيشعر الآخرون مجددا بالحاجة إلى مضاهاة قدرته، على الرغم من أن اقتصاداتهم في وضع أضعف بكثير.
الخطر الكبير لعام 2023 هو أن محددي أسعار الفائدة يشعرون بالخوف من أن يفقدوا ماء وجوههم لدرجة أنهم يتخذون إجراءات لدعم ما يقولونه، فهم لا يتكلمون بحزم فحسب بل يفرضون عدة زيادات كبيرة في أسعار الفائدة، ستدفع الزيادات السريعة في تكاليف الاقتراض بالاقتصادات إلى الركود حتما، كما قد تثير موجات من الاضطراب المالي التي تجعل ذعر سوق السندات الحكومية البريطانية في الخريف الماضي يبدو كومضة.
سيرسل الاضطراب – كما في حالة بنك إنجلترا أثناء ذعر الاستثمار المدفوع بالالتزامات – إشارات مختلطة بإجبار صانعي السياسات على دعم جيوب الأسواق المالية بينما يحاولون تشديد شروط الائتمان، سيتعرض محددي أسعار الفائدة لمزيد من الضغوط السياسية، في أوروبا، اشتكى القادة الفرنسيون والإيطاليون والفنلنديون بالفعل من أن محاولات البنك المركزي الأوروبي لكبح التضخم تضع الوظائف والنمو على المحك، إلى جانب زيادة خطر حدوث أزمة ديون سيادية أخرى.
من المحتمل أن يؤدي الانتباه إلى التهديدات الأخرى غير التضخم إلى زيادات أقل في أسعار الفائدة، في المقابل، قد يعني ذلك أن تستمر الأسعار في الارتفاع 3 أو 4 في المائة سنويا للمستقبل القريب، وألا يصل هبوط التضخم إلى هدف 2 في المائة، الذي يتوق إليه محددو أسعار الفائدة. إن ذلك ليس مثاليا، لكن، بعد فوضى 2022 العارمة، التضحية بطموحات الهبوط المثالي من أجل شيء أكثر واقعية قد يكون الخيار الأقل سوءا للجميع.
الاقتصادية