جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2024/01/27
شكل عام 2019 نقطة تحول في مسار القطاع المصرفي اللبناني. قبل ذلك التاريخ الذي شهد على بداية "السقوط الحر" للانهيار المالي والاقتصادي، تفننت المصارف التجارية في تسويق القروض المتنوعة. اليوم، وبعد مرور أربع سنوات على الأزمة، لم تبدأ تباشير الانفراج في الظهور بفعل أزمة الثقة العميقة بين المودع والمصرف. وتعتبر عودة وظيفتي "استقبال الودائع" و"الإقراض" مؤشراً أساسياً واضحاً إلى تعافي هذا القطاع المهم، وفي غيابها لا يمكن الحديث عن انتعاش اقتصادي حقيقي.
لا إقراض من دون ثقة
خلال السنوات الأربع الماضية، خسرت المصارف التجارية سمعتها وتراجع دورها في الاقتصاد، لتعود بعضها لتسوق لعودتها للإقراض قريباً بفعل "حالة العطش" داخل السوق المحلية. ففي الوقت الحاضر، لا يمكن الحصول على قرض لشراء شقة أو سيارة، أو قرض من أجل التعليم أو الاستشفاء، فيما ينتظر كثيرون وعود "مصرف الإسكان" من أجل تقسيط شقة في إحدى مناطق الأطراف. في المقابل، توسعت دائرة "الاقتصاد النقدي" وانتشرت مكاتب شركات تحويل الأموال بصورة غير مسبوقة، مستفيدة من تراجع القطاع المصرفي. وبادرت بعض تلك الشركات إلى إطلاق بطاقات ائتمان، فيما تسود تكهنات ببدء بعض الشركات في استحداث برامج للقروض الصغيرة.
ينظر خبراء اقتصاديون إلى ما يشاع عن عودة الإقراض بكثير من الحذر قبل إعادة هيكلة النظام المصرفي وإطلاق خطة شاملة للتعافي المالي. يعتقد المتخصص الاقتصادي نسيب غبريل أن "الدور الأساس للمصارف هو تمويل الاقتصاد، ولكن هناك عوائق تحول دون ذلك"، مشيراً إلى أن "المصارف لا تريد إعادة التجربة التي حصلت إبان الأزمة، حيث قامت بإعطاء القطاع الخاص قروضاً بالعملة الأجنبية، وجاءت تعاميم تتيح سدادها بالعملة اللبنانية وفق السعر الرسمي أو حتى بشيكات بأقل من القيمة الحقيقية لتلك القروض"، كما أن "المصارف لا تمتلك الملاءة المالية الكافية لعملية الإقراض، لأنها كمؤسسات مالية وسيطة بين المودع والمقترض، لا تترك أكثر من 10 في المئة من الرساميل في ذمتها، وفي غياب مواطنين يضعون أموالاً جديدة في البنوك، تبقى هناك فجوة حقيقية وشح في السيولة".
ويقدر غبريل حجم الموجودات "الفريش" في المصارف راهناً، أي الودائع بالعملة الأجنبية التي يمكن سحبها نقداً، بـ1.7 مليار دولار، وهي "أموال غير مجمدة لمدى طويل لكي تتمكن المصارف من تسليفها، لأنها ملك للقطاع الخاص. وجاءت نتيجة توطين معاشات وأجور، أو حسابات شركات تتعامل مع الخارج، وحسابات لأناس عاديين يشعرون أن المصارف أكثر أماناً من المنازل"، لافتاً إلى أن "هناك حاجة إلى بعض القوانين أو الإجراءات لتشكل ضمانات للعلاقة المستقبلية بين المصارف والمودعين، وأن تعاد القروض بنفس عملة التسليفات أي بالفريش دولار، ونفس الطريقة".
قرض الإسكان الأمل المؤجل
في ظل غياب جهود واضحة لعودة المصارف إلى عمليات الإقراض، يبقى القرض السكني الذي أعلن عنه "مصرف الإسكان" هو المحطة المنتظرة بالنسبة لكثيرين. يبشر رئيس مجلس إدارة مصرف الإسكان أنطوان حبيب بوجود بوادر إيجابية خلال المرحلة المقبلة، كاشفاً عن توقيع الاتفاق الرسمي مع الصندوق العربي الاقتصادي والاجتماعي بقيمة 50 مليون دينار كويتي، ما يوازي 165 مليون دولار أميركي، مقسطة على خمس سنوات، بمعدل 10 ملايين دينار كل عام (نحو 33 مليون دولار)، مضيفاً "حالت بعض الظروف دون البدء، فمن جهة جاءت أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) في الأراضي الفلسطينية، ومن جهة أخرى وفاة أمير دولة الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح".
يقول حبيب، "ننتظر تحويل المبالغ المتفق عليها في القريب العاجل، من أجل إطلاق إجراءات استقبال طلبات القروض"، مضيفاً "يمكن أن يسد القرض حاجة ستة آلاف عائلة لبنانية من ذوي الدخل المحدود والمتوسط".
تبقى الأعداد التي يمكن أن يستوفيها القرض محدودة لأعداد المواطنين الراغبين بشراء مسكن من طريق الائتمان. يكرر حبيب أن مصرف الإسكان هو مصرف خاص، ومملوك بنسبة 80 في المئة من مساهمي القطاع الخاص، ويبقى على عاتق الدولة إيجاد الحل الجذري من خلال المؤسسة العامة للإسكان والوزارات الأخرى، وباقي المصارف التجارية التي قد تتشجع على إطلاق برامج مشابهة.
ويشدد حبيب على أن "الدفع سيكون بنفس طريقة الإقراض، من يأخذ المبلغ بالدولار يجب عليه رده بالدولار"، متوقعاً "استقبال عدد كبير من الطلبات، انطلاقاً من العدد الكبير للأشخاص الذين زاروا الموقع وعددهم نحو 250 ألف زائر، ليس بالضرورة أن يتقدم هؤلاء بالطلبات، ولكنه مؤشر للاهتمام الكبير بالعرض".
المصارف ضرورة
بعد أن عاش لبنان "عصر المصارف"، ها هو يعيش "حقبة شركات تحويل الأموال"، وما يعتريها من تشكيك في مصادر الأموال وآلية التحقق منها. بحسب غبريل، "يستغل هؤلاء الفراغ الذي أحدثته الأزمة المصرفية، وراحوا يسوقون لبطاقات ائتمان وتوطين معاشات، وقد يلجأ البعض منهم لقروض فردية بمبالغ محدودة، وقد بدأ التسويق لذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، "كذلك بدأت بعض الشركات التي بدأت بالتفكير في منح ديون على نطاق ضيق لزبائنها الموثوقين والمقربين، وتحديداً وكلاء استيراد السيارات على أن يدفع الزبون الأقساط بصورة دورية ومدروسة".
يشدد غبريل على أن "المصارف ضرورة وحاجة، ولا يمكن ترك مبالغ ضخمة في المنازل، وتعريضها للسرقة أو العوامل الطبيعية"، مضيفاً "بدأنا نلتمس اتجاه بعض المشاريع العقارية، ولجوئها إلى المصارف من أجل الحصول على التمويل"، و"اكتشف عدد كبير من الناس ألا بديل عن التعامل مع المصارف في غض النظر عن الثقة بهذا القطاع"، متوقعاً "هجوماً من نوع آخر على المصارف عند تفعيل القروض من أجل الحصول على قرض".
كما يتطرق غبريل إلى أسباب أزمة الثقة من وجهة نظره، ويعتقد كبير الخبراء الاقتصاديين في "بنك بيبلوس" أن "أزمة الثقة تطاول النظام بصورة عامة، ولا تقتصر على المصارف"، و"الأزمة بدأت من سوء استخدام السلطة السياسية للقطاع العام، وعدم احترام الدستور والقوانين وفصل السلطات"، معلقاً على اقتراح نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بفرض ضريبة بقيمة 17 في المئة على الأشخاص الذين استفادوا من إعادة القروض دون قيمتها الحقيقية. ويقول إن "المشروع تعرض لأشرس هجوم من الذين استفادوا من القروض، علماً أن الهدف منه إعادة جزء من أموال المودعين"، لأن "خير توصيف لما حدث، هو ما أشار إليه صندوق النقد الدولي لناحية إعادة توزيع الثروة من المصرف والمودع إلى المقترض الذي استفاد من الفرق".
اندبندنت عربية