تقارير ودراسات

  • شارك:

ما هي حدود تكيُّف البنوك المركزية في أوقات الاضطراب العالمي؟!!


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2025/08/08

 

في ظل عالم يشهد تصاعداً غير مسبوق في التوترات الجيوسياسية، والأزمات الصحية، والتحولات البيئية والتكنولوجية؛ لم تعد التحديات الاقتصادية محصورة في تقلبات الدورات التقليدية، فقد أصبح المشهد العالمي أكثر اضطراباً وتشابكاً؛ وهو ما فرض على البنوك المركزية مراجعة شاملة لأدوارها وأدواتها.

فمنذ جائحة "كورونا" وما أعقبها من انكماش اقتصادي حاد، لجأت البنوك المركزية إلى أدوات غير تقليدية، كالتيسير الكمي وضخ السيولة الاستثنائية، ولكن سرعان ما واجهت تحديات مضادة تمثلت في موجات تضخمية حادة، نتيجة اضطرابات سلاسل التوريد، والحرب الروسية الأوكرانية، ثم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان، والحرب بين إسرائيل وإيران، وتصاعد التوترات الإقليمية، إضافة إلى تبني الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب سياسات تجارية حمائية.

ودفعت هذه الأحداث البنوك المركزية حول العالم إلى انتهاج سياسات نقدية أكثر مرونة للحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي، فلم تعد المهمة تقتصر على ضبط الأسعار فقط، بل بات من الضروري أن تتحلى هذه المؤسسات بالقدرة على الاستجابة الفورية للأزمات المتنوعة.

وقد تجدد الحديث في الأيام الماضية حول أدوار البنوك المركزية ومدى استقلاليتها، وذلك على خلفية الأزمة بين الرئيس ترامب ورئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، جيروم باول، في ظل الانتقادات التي وجَّهها ترامب إلى باول، ومطالبته بخفض أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة.

وفي إطار ذلك، يتناول هذا التحليل أدوار البنوك المركزية، والتحديات التي تواجه عملها في الوقت الراهن، وصولاً إلى الأدوات التي تُمكنها من أداء مهامها وسط البيئة المضطربة وغير المستقرة حالياً في العالم.

أدوار مؤثرة:

تُعد البنوك المركزية من الركائز المحورية في إدارة الاقتصادات الحديثة؛ حيث تضطلع بمهمة الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي من خلال تطبيق السياسات النقدية، وتتمثل إحدى وظائفها الجوهرية في التحكم بعرض النقود وتحديد أسعار الفائدة بما يتلاءم مع متغيرات الدورة الاقتصادية، ففي أوقات الركود، تلجأ البنوك إلى سياسات توسعية لتحفيز النشاط الاقتصادي، بينما تعتمد في فترات التضخم المفرط على أدوات انكماشية للحد من ارتفاع الأسعار، ويُجسد هذا التوجه ما أشار إليه الاقتصادي ميلتون فريدمان بقوله: "التضخم هو دائماً وأبداً ظاهرة نقدية"، في تأكيده للدور المحوري للسياسة النقدية في ضبط مستويات الأسعار وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

وقد تبنت العديد من البنوك المركزية في الدول المتقدمة نهج "استهداف التضخم" عبر تحديد أهداف رقمية معلنة، في حين تتجه الاقتصادات النامية تدريجياً نحو هذا النهج، في محاولة لإرساء قواعد أكثر استقراراً وشفافية. بيد أن دور البنوك المركزية لم يعد مقتصراً على ضبط الأسعار فحسب، بل امتد ليشمل الحفاظ على الاستقرار المالي الكلي، ودعم النمو والتوظيف، خاصةً في ظل تنامي التحديات الاقتصادية العالمية.

ومع اتساع نطاق مهام هذه المؤسسات، برز ما يُعرف بـ"هيمنة السياسة النقدية"، وهو مفهوم يُشير إلى استقلال البنوك المركزية عن السلطة التنفيذية في اتخاذ القرارات، حتى تلك التي قد تكون مؤلمة سياسياً، مثل رفع أسعار الفائدة، وتُعد هذه الاستقلالية عنصراً جوهرياً لضمان مصداقية السياسة النقدية وفعاليتها، لا سيّما عندما تتطلب تلك السياسات تعديلات على المالية العامة أو ضبطاً للإنفاق الحكومي، بينما لا تُقاس الاستقلالية فقط بالإطار القانوني، بل تتجلى فعلياً من خلال قدرة البنك المركزي على ممارسة صلاحياته دون تدخلات مباشرة، وقد أظهرت دراسة لصندوق النقد الدولي لعشرات البنوك المركزية خلال الفترة من 2007 إلى 2021، أن البنوك التي حصلت على درجات عالية في الاستقلالية كانت أنجح من غيرها في إبقاء توقعات الناس بشأن التضخم تحت السيطرة.

وفي ضوء بيئة اقتصادية تتسم بقدر عالٍ من التعقيد، تشمل الأزمات الصحية، والاضطرابات الجيوسياسية، والمخاطر المالية؛ أعادت البنوك المركزية النظر في أدواتها وأدوارها. فامتد تركيزها ليشمل الحوكمة المؤسسية، والشفافية، والتواصل الفعال مع الجمهور والأسواق، باعتبار هذه العناصر ضرورية لتعزيز الثقة والمصداقية. ومع ذلك، لا تزال تحديات جوهرية تُهدد استقلالها، أبرزها التدخلات السياسية المتزايدة، وفي هذا السياق، حذر محافظ بنك إنجلترا، أندرو بيلي، في 14 يوليو 2025، من المخاطر المترتبة على تسييس السياسة النقدية، داعياً إلى تعزيز التنسيق الدولي من أجل الحفاظ على استقرار النظام المالي العالمي.

وفي هذا السياق، يُسلط الاقتصادي، إريك مونيه، الضوء على بُعد آخر بالغ الأهمية؛ حيث يحذر في كتابه "توازن القوى"، من مخاطر اتساع نفوذ البنوك المركزية على حساب الرقابة الديمقراطية، ويرى أن الحفاظ على الاستقلالية لا يجب أن يكون على حساب المساءلة، بل لا بد من إعادة التوازن بين صلاحيات هذه المؤسسات ومتطلبات الرقابة الديمقراطية، لا سيّما في ظل التحديات العالمية الراهنة والتي تتطلب مؤسسات نقدية مسؤولة وشفافة إلى جانب كونها مستقلة.

بيئة مضطربة:

تعمل البنوك المركزية حالياً في سياق عالمي شديد الاضطراب، يتسم بتعقيد غير مسبوق في طبيعة الصدمات الاقتصادية وتعدد مصادرها. وتتمثل أبرز التحديات الراهنة التي تعوق عمل البنوك المركزية حول العالم، وتحد من فعالية سياساتها النقدية؛ فيما يلي:

1- التحولات الجذرية في طبيعة الصدمات: تغيرت طبيعة الصدمات التي تواجهها البنوك المركزية بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير، فلم تعد هذه الصدمات ناتجة عن عوامل تقليدية في الطلب فقط، بل أصبحت متعددة المصادر؛ تشمل صدمات في العرض، وأزمات جيوسياسية، واضطرابات في سلاسل التوريد، وحتى تحديات تكنولوجية وبيئية.

وقد تسببت هذه الصدمات في إحداث موجة عالمية من ارتفاع الأسعار. ففي مطلع عام 2025، كانت التقديرات بشأن الاقتصاد العالمي تميل إلى سيناريو "الهبوط السلس"، مدعومة بانخفاض تدريجي في معدلات التضخم، ونمو اقتصادي معتدل. فعلى مدار عام 2024، بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي أكثر من 3%، ما كان يعكس آنذاك حالة من التفاؤل الحذر. بيد أن هذا الاتجاه سرعان ما تبدد في ظل تفاقم الأزمات الجيوسياسية، وخاصةً الحرب الروسية الأوكرانية، تليها الحروب والاضرابات في منطقة الشرق الأوسط والتي تسببت في اضطراب سلاسل التجارة، وارتفاع حدة التقلبات في الأسواق المالية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.

2- ارتفاع حجم الدين العالمي: أحدثت جائحة "كورونا" تحولاً جوهرياً في العلاقة بين السياسات المالية والنقدية؛ حيث أدى الإنفاق الحكومي واسع النطاق إلى رفع معدلات التضخم، وارتفاع مستويات الدين العام والخاص على حد سواء. فقد اعتمدت معظم الدول حزماً مالية ضخمة خلال الجائحة وبعد انحسارها لتحفيز النشاط الاقتصادي.

وقد دفعت الموجات التضخمية المتلاحقة العديد من البنوك المركزية إلى تبني سياسات تشديد نقدي من خلال رفع أسعار الفائدة، وبالرغم من أهمية هذا النهج لكبح ارتفاع الأسعار؛ فإن له تكاليف مالية مباشرة، أبرزها ارتفاع أعباء خدمة الدين، خاصةً لدى الدول التي تعاني من مستويات مديونية مرتفعة. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الدين العام العالمي مرشح لتجاوز 100% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030؛ أي بزيادة تقارب 10 نقاط مئوية مقارنةً بمستواه في عام 2019، قبيل تفشي الجائحة.

3- التدخلات السياسية وأزمة استقلالية البنوك المركزية: تُواجه البنوك المركزية ضغوطاً سياسية متزايدة تقوض استقلاليتها؛ وهو ما يهدد قدرتها على اتخاذ قرارات بعيدة عن الحسابات قصيرة الأجل. كما في حالة الضغوط التي يواجهها رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، جيروم باول، من جانب ترامب وتلميحه في وقت سابق بإقالة باول لحثه على خفض أسعار الفائدة. فقد كشفت مثل هذه التدخلات السياسية عن هشاشة الاستقلال العملي لبعض المؤسسات النقدية؛ ما أثر سلباً في ثقة الأسواق وثبات التوقعات التضخمية.

4- تآكل الثقة في النظام النقدي العالمي: أسهمت السياسات الحمائية الأمريكية، مثل فرض الرسوم الجمركية على شركاء تجاريين رئيسيين، في تآكل الثقة بالنظام النقدي الدولي القائم على الدولار. ونتيجة لذلك، تتسارع جهود الدول من أجل تطوير نظم مدفوعات بديلة، فقد ناقشت قمة مجموعة "بريكس" في البرازيل، والتي انعقدت في يوليو 2025، سُبل تعزيز التجارة بالعملات المحلية وتطوير منصة (BRICS Pay) للمدفوعات العابرة للحدود، مع استمرار النقاش حول تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي.

آليات الاستجابة:

تعمل البنوك المركزية في العالم من أجل الحفاظ على الاستقرار النقدي والاقتصادي، وتجنب الأزمات المالية؛ من خلال حزمة من الآليات سواءً استخدمت في ذلك أدواتها التقليدية أم غير التقليدية، ويمكن إيضاح ذلك كما يلي:

1- التيسير الكمي في أوقات الأزمات: وقت الأزمات، تلجأ البنوك المركزية إلى أدواتها التقليدية، مثل التدخل غير المباشر عبر السوق المفتوحة وتعديل أسعار الفائدة والاحتياطيات الإلزامية؛ بهدف إدارة السيولة وتحقيق الاستقرار دون التأثير المباشر في سعر الصرف؛ ولكنها قد تلجأ أيضاً إلى أدوات غير تقليدية، كما في جائحة "كورونا"؛ حيث استخدمت بنوك كبرى مثل الاحتياطي الفدرالي سياسات التيسير الكمي لضخ السيولة واحتواء الركود. وبالرغم من الانتقادات المرتبطة بالتضخم، أثبتت هذه السياسات فعاليتها في مواجهة أزمات السيولة الطارئة.

2- ضمان استقرار أسعار الصرف: أدت السياسات الحمائية لإدارة ترامب، كأحد أبرز التحديات التي تواجهها البنوك المركزية في المرحلة الراهنة، إلى إضراب أسواق المال، وهروب رؤوس الأموال وخاصةً من الأسواق الناشئة بهدف التحوط؛ الأمر الذي أثر في أسعار العملات. ولذلك كثفت البنوك المركزية جهودها لتفعيل آليات متعددة تهدف إلى الحفاظ على استقرار أسعار الصرف وضمان التوازن النقدي.

ووفقاً للتقرير السنوي لاتجاهات إدارة الاحتياطيات الصادر عن بنك (HSBC) بالتعاون مع مجلة (Central Banking)؛ فإن نحو 50% من أصل 91 بنكاً مركزياً شاركوا في الاستطلاع قد تدخلوا في أسواق الصرف خلال العام الماضي، وترتفع النسبة إلى أكثر من 60% خارج منطقة اليورو، لا سيّما بين البنوك التي تدير احتياطيات تفوق 100 مليار دولار. وقد تنوعت تلك التدخلات بين أدوات مباشرة، مثل شراء وبيع العملات الأجنبية، وأخرى غير مباشرة كاستخدام أدوات السياسة النقدية، مع اعتماد نهج يتسم بالسرية والمرونة لامتصاص التقلبات وتقليل الضغوط على أسواق الصرف.

3- تنويع حيازة الأصول: تزايدت توجهات البنوك المركزية نحو الذهب كأصل آمن للتحوط وتنويع الاحتياطات، باعتباره مخزناً للقيمة ووسيلة تحوط في مواجهة هشاشة النظام المالي العالمي وتقلّبات أسعار العملات. ووفقاً لاستطلاع شمل 75 بنكاً مركزياً، أجراه منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية (OMFIF) بين شهري مارس ومايو 2025، وُجد أن نسبة 40% من البنوك المركزية حول العالم تخطط لزيادة حيازتها من المعدن النفيس خلال العقد المقبل.، كما عادت السندات السيادية لدول مثل المملكة المتحدة وألمانيا، لتكون وجهات مفضلة للاستثمار الآمن، فيما بقيت الصين واليابان في ترتيب منخفض من حيث الجاذبية.

4- سياسات استباقية: تعتبر نحو 44% من البنوك المركزية السياسات الحمائية والرسوم الجمركية الأمريكية، التهديد الأكبر لمحافظها الاستثمارية. وفي ظل استمرار حالة عدم اليقين الجيوسياسي، قامت 73% من البنوك المركزية بإدراج هذه المخاطر ضمن استراتيجيات إدارة المخاطر وتخصيص الأصول، مقارنةً بـ67% في عام 2024؛ ما يعكس تحولاً واضحاً نحو سياسات أكثر تحوطاً واستباقية.

5- سياسة التوجيه المستقبلي: تُعد "التوجيهات المستقبلية" أو (Forward Guidance)، أداة تواصلية مهمة، تستخدمها البنوك المركزية لإدارة توقعات الأسواق بشأن توجهات السياسة النقدية. ومن خلال التصريحات المدروسة حول المسار المُتوقع لأسعار الفائدة أو التضخم؛ تسهم هذه الأداة في تقليل الغموض وتعزيز الاستقرار المالي.

فمنذ يونيو 2014، استخدم البنك المركزي الأوروبي "التوجيه المستقبلي" من خلال سلسلة من تدابير التسهيل الائتماني التي شملت أيضاً شراء الأصول على نطاق واسع، واتباع سياسة أسعار الفائدة السلبية. وتؤكد الأدلة التجريبية أن هذه التدابير قدمت سياسة إضافية كبيرة أسهمت في تحقيق عودة التضخم إلى مستويات قريبة من 2%.

6- العملات الرقمية للبنوك المركزية: في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، برزت العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) كأداة حديثة لتعزيز فعالية السياسة النقدية والتحكم في عرض النقود، خاصةً مع توسع استخدام العملات الرقمية المشفرة مثل "البيتكوين" التي تقع خارج نطاق الإشراف النقدي التقليدي. ووفقاً لتقرير صادر عن بنك التسويات الدولية (BIS) في يوليو 2023، يدرس نحو 94% من أصل 86 بنكاً مركزياً إصدار عملات رقمية، مع توقع إطلاق 15 عملة رقمية بحلول عام 2030.

وقد بدأت عدة بنوك مركزية خطوات عملية في هذا الاتجاه، من بينها البنك المركزي الأوروبي الذي دخل في نوفمبر 2023 مرحلة التحضير لمشروع "اليورو الرقمي"، التي شملت إعداد الإطار القانوني واختيار مقدمي الخدمات، على أن يبدأ التطوير الفعلي في نوفمبر 2025. وفي المملكة المتحدة، يواصل بنك إنجلترا بالتعاون مع وزارة الخزانة استكشاف مشروع "الجنيه الرقمي"، والذي لا يزال في مرحلة التصميم منذ عام 2023. وعربياً، أظهر استبيان لصندوق النقد العربي أن 76% من المصارف المركزية في المنطقة تدرس إصدار عملات رقمية.

ختاماً، في عالم تتسارع فيه التحولات، وتتشابك فيه الأزمات حالياً؛ لم تعد البنوك المركزية مجرد مؤسسات لتنظيم عرض النقود أو ضبط أسعار الفائدة، بل أصبحت جهات فاعلة ذات تأثير مباشر في الاستقرار العالمي؛ حيث تتعامل مع أزمات متداخلة ومعقدة، وتتوسع مهامها لتشمل إدارة المخاطر الجيوسياسية، وتغير المناخ، والتكنولوجيا المالية؛ ومن ثم تُصبح الحاجة إلى إعادة تعريف دور البنوك المركزية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. فالمستقبل يتطلب نماذج أكثر مرونة، وأدوات أكثر ابتكاراً، ومؤسسات أكثر شفافية واستقلالية. ومع أن الطريق ليس سهلاً، إلا أن التجارب الحديثة أثبتت أن البنوك المركزية قادرة على التكيُّف والابتكار في وجه التحديات المتفاقمة، بما يجنب العالم أزمات مالية عالمية، لتظل ركيزة أساسية في استقرار النظام الاقتصادي العالمي.

 

المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

 

جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP