جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2019/05/30
أكد الخبير الاقتصادي عضو مجلس الشورى أحمد سعيد شماخ أن السياسات الاقتصادية الهشة, التي أصابت البلاد خلال العقود الماضية؛ قد انعكست سلبا على مجمل الأوضاع في البلاد, لا سيما العجز المالي منذ النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي؛ أي منذ بداية ما يسمى بالإصلاح المالي والاقتصادي المفقود؛ حيث قامت المصارف اليمنية ومعها صناديق التأمينات والمعاشات وبعض الفعاليات الاقتصادية والمالية وأفراد الجمهور بتمويل عجز الموازنة العامة للدولة عن طريق الاستثمار في أذون وسندات الخزانة. مشيرا في حوار مع موقع جمعية البنوك اليمنية إلى أن سوق أسعار الصرف في السوق اليمنية يدار من خارج البنك المركزي, بطريقة غير مباشرة, وعدم تمكين البنك المركزي من التأثير على سوق النقد باعتباره المصدر الوحيد للنقود الاحتياطية, وبعبارة أخرى يمكن القول هنا بأن السياسة النقدية في اليمن حاليا تدار من خلال قوى السوق الخفية بتأثير قوى العرض والطلب, وعلى الاحتياطيات.
- بداية نود أن تحدثنا عن المشاكل والتحديات التي تواجه القطاع المصرفي اليمني في الوقت الراهن؟
لكل مرحلة في تاريخ اليمن عنوانها ولها تحدياتها, وعنوان هذه المرحلة شعب يخط كلمته صمودا وبناء, وحكومة ينبغي أن تستوعب المرحلة والمتغيرات؛ والعمل والتخطيط لمتطلباتها, ودون أدنى شك أن السياسة النقدية هي إحدى السياسات الاقتصادية المهمة إلى جانب السياسة المالية في التأثير على جانب الطلب في الاقتصاد الكلي, وبالذات بعد قصور المنهج الكينزي, كما هو معروف لدى كثير من المفكرين الاقتصاديين في تقديم الحلول والتفسيرات المناسبة لمشكلة التضخم, والحال في اليمن أن السياسات النقدية والمالية يكتنفها الكثير من الغموض؛ وهذا ما أدى إلى عدم قدرتها على الوصول إلى غاياتها بطريقة مباشرة, وهذا قد فرض مجموعة من القيود على حجم الائتمان أو توجيه أسعار الفائدة صعودا أو هبوطا وتوجيهه إلى القطاعات الاقتصادية, التي تحاول الحكومة السعي لدعمها خصوصا في ظل اقتصاد الحرب, وبسبب ذلك الغموض أدى الى خلق كثير من التشوهات في القطاعات الاقتصادية بسبب غياب الفاعلية التخصصية, وإغفال دور البنك المركزي والمصارف العاملة في هذا الجانب, وعدم تحييد هذا القطاع لأن يكون بمنأى عن الصراعات السياسية في البلد, وهذا ما أدى إلى انتشار ظاهرة الكبح المالي, وانعدام المنافسة في البنوك؛ للاستثمار في المشاريع التنموية؛ إلى أن أصبح سوق أسعار الصرف في السوق اليمنية يدار من خارج البنك المركزي, بطريقة غير مباشرة, وعدم تمكين البنك المركزي من التأثير على سوق النقد باعتباره المصدر الوحيد للنقود الاحتياطية, وبعبارة أخرى يمكن القول هنا بأن السياسة النقدية في اليمن حاليا تدار من خلال قوى السوق الخفية بتأثير قوى العرض والطلب, وعلى الاحتياطيات, وقناعتي الشخصية خلال هذه المرحلة من الصعوبة طرح أي توقعات بصورة واضحة وجريئة لدور القطاع المصرفي خلال هذه المرحلة بمعزل عن القطاعات الاقتصادية الأخرى, وعن الوضع السياسي والاجتماعي والعلاقات والمتغيرات القائمة على المستوى الإقليمي والدولي, لكني سأحاول التركيز في لقائي هذا مع موقع جمعية البنوك اليمنية على واقع المصارف اليمنية ودورها المرتقب في مرحلة البناء والإعمار, الذي ينبغي أن يتوافق مع دور الدولة في الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي ودورها في الجانب التشريعي والقانوني والإداري, وفي جانب اهتمام الدولة بالمؤشرات الكلية في حكومة قوية يجب أن تضع قضية البناء والإعمار والتنمية عنوانا لاستراتيجياتها المقبلة.
- • كيف تقيمون الصيرفة الإسلامية في اليمن؟ وماذا يلزمها حتي تصبح اكثر فاعلية؟
لست متخصصاً في الاقتصادي الإسلامي ولم اتعاط مع العمليات المالية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ، لكني اعتقد بأن المصارف الإسلامية في اليمن لم تكتمل لديها الرؤية حتى اليوم لعدة أسباب منها ما يختص بالتعديل في الجوانب القانونية والتشريعية حيث أن جميع التشريعات والتعليمات الصادرة عن البنك المركزي موجه للمصارف الإسلامية والبنوك التقليدية دون أي تمييز لخصوصية المصارف الإسلامية فيما عدا قانون المصارف الإسلامية رقم 21 لسنة 96 المعدل بالقانون رقم 16 لسنة 2009 م وكذلك افتقار هذه المصارف إلى العنصر البشري المؤهل والمدرب عاليا والمطلع تماما على الجوانب الشرعية بصورة دقيقة وعلى ما يدور في سوق الصيرفة الإسلامية الحديثة إقليميا ودوليا، وخصوصا منها في دول العالم الإسلامي وكذلك وجود فجوة في الرقابة الشرعية وذلك لعدم وجود رقابة شرعية مركزية يتم اللجوء إليها في حال اختلاف وتضارب فتاوى هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية وكذلك عدم وجود رقابة شرعية خارجية مستقلة لتقييم الجوانب الشرعية داخل المصارف الإسلامية من جهة محايدة ومستقلة بحسب توصيات هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في معايير المراجعة الشرعية AAOIF. ومن أجل إدارة تجربة يمنية جديدة ملتزمة بالصيغ الإسلامية الصحيحة خصوصا في ظل ما يجري اليوم في البلاد من تغيرات جديدة في ظل الحرب والدمار، التي قد لا تحتمل المخاطرة والمجازفة، حيث المخاطر العالية، وبعبارة أخرى يمكنني القول بأن تجربة الصيرفة الإسلامية في اليمن تحتاج إلى ممارسة وتجربة أعمق مما هي عليه الآن، حتى تكتمل وتتضح الصورة، والمطلوب من المصارف الإسلامية اليمنية الولوج وإعطاء الأولوية لاستثمار ما لديها من فوائض مالية في مشاريع تنموية وإنتاجية وبما تتلاءم مع احتياجات اليمن لأن دوافع إنشاء البنوك الإسلامية في اليمن والبلدان الإسلامية هو الإسلام وليس غيره. ومن الصعب عليها على سيبل المثال تبني صيغ ضد الدين المتجذر في عقل ووجدان المسلم منذ شروق فجر الإسلام ؛ فالشعب اليمني شديد التدين وعميق حضارته ومتمسك بأصالته وبقيم الإسلام والعروبة ، واليمن هي منبع الديانات السماوية والحضارية الإنسانية ، ومن هذا المنطلق كانت الدوافع وراء إنشاء البنوك الإسلامية وسرعة انتشارها في اليمن والإقبال عليها والثقة بها من اليمنيين وفي الجهة المقابلة أيضا أن هذه البنوك قد استجابت برغبة جامحة لرغبات وتطلعات اليمنيين واستطاعت استقطاب أهم شرائح المجتمع من رجال المال والأعمال والمودعين وذلك لرغبتهم في اتباع أحكام الشريعة الإسلامية .
- كيف ترون لجوء العديد من البنوك للاستثمار في أذون الخزانة والابتعاد عن تمويل المشاريع؟
السياسات الاقتصادية الهشة التي أصابت البلاد خلال العقود الماضية؛ قد انعكست سلبا على مجمل الأوضاع في البلاد, لا سيما العجز المالي منذ النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي؛ أي منذ بداية ما يسمى بالإصلاح المالي والاقتصادي المفقود؛ حيث قامت المصارف اليمنية ومعها صناديق التأمينات والمعاشات وبعض الفعاليات الاقتصادية والمالية وأفراد الجمهور بتمويل عجز الميزانية العامة للدولة عن طريق الاستثمار في أذون وسندات الخزانة, وعن طريق إصدار السندات الحكومية وما تلاها من إنشاء وحدة الصكوك الإسلامية إلى غير ذلك, ودون أدنى شك أن هذه الحلول ما كان ينبغي لها أن تستمر لأنها تعد حلولا ذات طبيعة مؤقتة, كما حصل في بعض البلدان, التي بدأت بالإصلاح الاقتصادي لكن للأسف استمر هذا الإجراء مع تعاقب الحكومات وحتى اليوم؛ لأن تلك الحكومات الهشة فضلت اللجوء إلى الحلول السهلة في قضية زيادة الدين العام المحلي, ولم تلجأ أو تفكر بإعادة النظر إلى ما يمتلكه البلد في الداخل من موارد طبيعية ومعادن نفيسة في ظاهر الأرض وباطنها وبحارها, غير أن العنصر البشري المؤهل هو العنصر الهام والمحرك الحاسم في هذه العملية. ودون أدنى شك أن هذه السياسات الخاملة والبيئة الغير حاضنة قد قطعت الطريق أمام مختلف القطاعات المنتجة جراء ارتفاع نسبة الفائدة للريال حيث بلغ الاستثمار في أذون الخزانة والسندات الحكومية في عام 2014م 3,180 مليار ريال وفي عام 2015م 4,086 مليار ريال, إلى أن ارتفع حجم الدين العام المحلي ليتجاوز نهاية ديسمبر ٢٠١٨ مبلغ 5,747 مليار ريال.
- كيف ترون دور الجهاز المصرفي في إعادة الإعمار؟
دون أدنى شك أن اليمن مقبلة على مرحلة إعمار جديدة سيجذب إليه طاقات داخلية وخارجية, وسيكون للبنوك اليمنية دورا بارزا في بناء اليمن الجديد؛ وهذا سوف يعزز من قدرة مؤسساتنا الوطنية على التحرك في توسيع القاعدة الإنتاجية للإنتاج النوعي الكثيف, وزيادة التنافسية المحلية والخارجية وسوف يكون له دورا بارزا ومهما في عملية الإعمار والتنمية لبناء اليمن الجديد.
- ماذا يلزم الجهاز المصرفي للتغلب على التحديات الراهنة؟
النظام المصرفي اليوم معني بإعادة بناء الثقة بالعملة الوطنية الريال, وإعادة ثقة المودعين لديه, وبغير ذلك لن تستطيع المصارف العاملة في البلاد من لعب الدور المصرفي, الذي يحتاجه اليمن اليوم, وخلال إعادة الإعمار المقبلة؛ إذ يفترض إزاء هذا الواقع في ظل اقتصاد الحرب وإدارة الأزمة, أن تقوم البنوك بتقديم قروض مصرفية بنسب كبيرة, أيضا ينبغي مشاركة هذه المصارف ومعها رؤوس الأموال الوطنية, والوطنية المهاجرة, في عمليات الاستثمارات المقبلة في قطاعات واعدة منتجة, رغم علمي ومعرفتي المسبقة أن كل هذه التوجهات مرتبطة بمعوقات رئيسية توجب معالجتها فورا, ويأتي على رأس تلك القضايا الركود والجمود و العجز المالي, الذي أصاب مالية الدولة والمواطنين اليمنيين منذ سنوات وتقوم فيه المصارف اليمنية بتمويل هذا العجز عن طريق الدين العام المحلي.
- كيف ترون وضع القطاع المصرفي اليمني في ظل اقتصاد الحرب؟
من البديهي أن يتأثر القطاع المصرفي اليمني في ظل اقتصاد الحرب وظاهرة تعثر البنوك ليست وليدة اليوم؛ إذ سبق وأن تعثرت بعض تلك البنوك قبل أحداث ٢٠١١م, مع العلم أن تعثر بعض تلك البنوك من الطبيعي أن يحدث في كل البلدان, التي تمر بأزمات اقتصادية وحروب؛ كما هو حاصل الآن في الوطن, والأمثلة على ذلك كثيرة لا يتسع المقام إلى الخوض في تفاصيلها هنا, وفي رأيي أن تحدي وصمود كل المصارف اليمنية ولأكثر من ٤ سنوات مضت وما قبلها, خصوصا بعد أن واجه الاقتصاد اليمني حربا شرسة في الجانب النقدي والمالي لشل كل المقومات الرئيسية لأركان الدولة والكيان الاقتصادي والنقدي, التي تعتبر أهم العناصر والعوامل, التي أدت في نهاية الأمر إلى هذه النتيجة الحتمية في ظل غياب أهم أدوات البنك المركزي للسيطرة على السوق النقدي, سواء من حيث مراقبة السوق وتوفير السيولة, ومراقبة سوق أسعار الصرف, من حيث تفعيل دور القطاع الخارجي, مثل تغطية الاعتمادات المستندية الاستيرادية وتكوين الاحتياطات الخارجية إلى غير ذلك.
- كيف تقيمون علاقة البنوك بالبنك المركزي؟
يتميز القطاع المصرفي في اليمن بالتعاون والتماسك والتفاهم وبالتفاني في بذل المستحيل في أصعب الظروف خلال فترة الحرب من أجل الاستمرارية وتأمين الخدمات المطلوبة بقدر الإمكان خصوصا في ظل اقتصاد الحرب عندما تم تسييس دور البنك المركزي اليمني وجعله ضمن أدوات الحرب وإضعاف دوره في توفير السيولة النقدية اللازمة للاقتصاد وتهميش دوره الرقابي وانتقال الكتلة النقدية إلى خارج القطاع المصرفي بنسبة قد تصل إلى 90% من حجم النقد المصدر ونمو السوق الموازية (السوق السوداء) بصورة لم تكن معهودة في تاريخ السوق الاقتصادي اليمني لدور ومحاولة اقتصار ذلك الدور وغيره في إدارة القطاع الخارجي علي بعض البلدان الإقليمية والدولية التي تطمح لأن تكون لها موطئ قدم في اليمن. لكن بفضل الله تحاول السلطات النقدية ومعها القطاع المصرفي في البلد الوقوف على قدميه مؤهلا لمد شريان الحياة الاقتصادية بالمال وفي تأمين الاستمرارية وتخطي الكثير من العقبات والتحديات بالتعاون والتنسيق مع جمعية البنوك اليمنية ممثلا في شخص الرجل المصرفي الأول محمود قايد ناجي, القائم بأعمال رئيس مجلس إدارة الجمعية وفريق العمل في الجمعية وقيادة البنوك وكل العاملين في قطاع المصارف اليمنية, الذين كانوا يدافعون في أحلك ظروف الحرب لتلبية عملاء البنوك؛ حتى ظلت جميع المصارف تعمل بكل أجهزتها كأسرة واحدة تتشاور وتتعاون قبل إصدار أي قرار.
- نحن على أعتاب بازل ٤ إلى أي مدى استطاع الجهاز المصرفي اليمني تطبيق بازل 1و2و3؟
اعتقد أن البنوك اليمنية تحاول جاهدة من تحقيق المعدلات المطلوبة لملاءتها وزيادة رؤوس أموالها وإعادة تحسين جودة الموجودات الثابتة لتقييم نفسها والعمل على زيادة رأس المال النقدي, والحفاظ على مكانتها بين نظرائها البنوك المحلية والخارجية؛ ففي حال تحقيق مثل هذه العناصر فإنها سوف تستفيد لتعزيز ملاءتها خصوصا إذا قامت هذه المصارف بتعزيز القيمة الفعلية لممتلكاتها العقارية, عن القيمة الدفترية المحتسبة لديها؛ فهذا سوف يؤثر إيجابا على معدل الملاءة لديها, ومنها سوف يساعد كثيرا على القدرة في تعزيز ملاءتها للاستجابة للمعايير الدولية, التي ذكرتها آنفا بمختلف مستوياتها ودعاماتها. والمصارف اليمنية هي تتبع التعليمات الصادرة عن البنك المركزي؛ فهناك بعض البنوك بدأت بتطبيق بازل ٢ فيما يخص المخاطر وإدارتها, ولا يتم تطبيق بازل ٢ فيما يخص متطلبات رأس المال كاملة, مع العلم أن التطبيق الإلزامي لبازل ٣ يبدأ في العام الجاري ٢٠١٩م في بنوك عالمية, وهناك دول صناعية عظمى لم تطبقها حتى اليوم, رغم أنه قد أعطيت البنوك فترة زمنية لتطبيق بازل ٣ منذ العام ٢٠١٣م إلى ٢٠١٩م, وفي الأخير تعتبر معايير وشروط بازل هي ملزمة للبنوك ضمنا في حال التعامل مع البنوك الأجنبية, وإذا لم تلتزم البنوك بهذه الشروط والمعايير فإنها سوف تكون بنوكا منبوذة وذات مخاطر عالية لا تستطيع أن تتواكب مع ما يجري في المصارف العالمية بل إنها ستظل إذا لم تحاول اللحاق بها تدور في فلك البنوك العالمية.