جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2020/01/29
د. ماجد احمد الزاملي
تحقيق الاستقرار النقدي من أولويات السياسة النقدية للبنك المركزي لاي بلد، وتتمثل عناصر الاستقرار النقدي التي يهدف البنك المركزي إلى تحقيقها في استقرار المستوى العام للأسعار، واستقرار سعر صرف العملة الوطنية وخلق هيكل أسعار فائدة ينسجم مع الظروف الاقتصادية المحلية والتطورات الدولية. ويسعى البنك المركزي إلى تحقيق ذلك من خلال تنظيم نمو السيولة المحلية في الاقتصاد الوطني بما يتناسب وتمويل النشاط الاقتصادي الحقيقي.
و تحقيق الاستقرار النقدي يمثل الركيزة الرئيسية للسياسة النقدية في الوقت الراهن. إذا أراد البنك المركزي أن يحد من حجم الائتمان المصرفي لجأ إلى رفع سعر إعادة الخصم ،حيث يؤدي هذا إلى رفع سعر الفائدة الذي تقترض به البنوك التجارية، أما إذا قام البنك المركزي يخفض سعر إعادة الخصم فإنه بذلك يشجع البنوك التجارية بدورها إلى خفض سعر الخصم مما يشجع الأفراد مستهلكين كانوا أو مستثمرين على خصم أوراقهم التجارية و بالتالي يمكنهم من التوسع في عمليات البيع بالأجل.
وفي حالات التضخم يرفع البنك معدل إعادة الخصم ليحد من قدرة البنوك على التوسع في الائتمان فترفع تكلفة الائتمان و من تم تكلفة التمويل، فيدفع ذلك المستثمرين إلى الامتناع عن الاقتراض و قد يلجئون إلى استثمار أموالهم في السوق المالية، و هكذا تخرج الأموال من فخ السيولة، فيتقلص حجم الكتلة النقدية و ينكمش.و في حالة إتباع سياسة توسعية فإنه يقوم بخفض معدل إعادة الخصم حتى يمكن البنوك التجارية بخصم ما لديها من أوراق تجارية و التوسع في منح الائتمان.
ويشكك العديد من الاقتصاديين في مدى نجاعة و فعالية هذه الأداة في تحقيق الأهداف الانكماشية أو التوسعية، خاصة في ظل تنوع مصادر التمويل، والتخلي عن نظام قاعدة الذهب و حرية تدفق رؤوس الأموال من وإلى الدول، ومن تم لم تعد هذه الأداة سوى مؤشر أمام البنوك التجارية في اتجاه السلطات النقدية فيما يتعلق بسياسة الائتمان.
زيادة حجم النقود المتداولة لدى الأفراد يزيد من الإنفاق على شراء المزيد من السلع والخدمات المختلفة، مما يدفع المنتجين إلى تلبية هذا الطلب المتزايد عن طريق إنتاج المزيد من السلع والخدمات، أي أن ارتفاع كمية النقد المتداول يؤدي إلى تنشيط الاقتصاد. إلا أن الإفراط في زيادة حجم النقد المتداول سيؤدي إلى عجز الناتج الكلي عن تلبية الطلب الكلي ومن ثم الوقوع في مشكلة التضخم .
أما تقليص حجم النقد دون المستوى المطلوب فيؤدي إلى انخفاض الطلب الكلي ، وما يترتب على ذلك من كساد في النشاط الاقتصادي ، أي ان هناك علاقة طردية بين حجم النقود المتداولة والمستوى العام للأسعار. يلعب البنك المركزي دوراً أساسياً في المحافظة على الاستقرار الاقتصادي ودعم مسيرة النمو الاقتصادي في الدولة من حيث مجموعة من الامور منها ، إصدار النقود من عملات ورقية ومعدنية حسب حاجة الاقتصاد، إدارة السياسة النقدية في الاقتصاد باستخدام أدوات السياسة النقدية. ً
إنّ أهم أهداف السياسة النقدية هو تحقيق نوعا من الاستقرار الاقتصادي في ظل النمو المتوازن، أي أن هناك ارتباط بين النشاط الاقتصادي و النقدي و يظهر ذلك واضح من خلال ارتباط المشاكل الاقتصادية الخاصة بالبطالة و التضخم و انخفاض قيمة العملة الوطنية بالحلول النقدية و بذلك يمكن للسياسة النقدية لو توافرت لها الظروف الاقتصادية الملائمة أن تحقق نوع من الاستقرار الداخلي ، فالسياسة النقدية قد تستخدم أحد أدواتها لامتصاص فائض القوى الشرائية في سوق السلع و الخدمات و ذلك عن طريق استقطاب هذا الفائض في صورة إدّخار ،كذلك تستطيع السياسة النقدية التأثير على سعر صرف العملة الوطنية بالقدر الذي يقلل من حدة العجز في ميزان المدفوعات وبذلك تكون السياسة النقدية إحدى أدوات السياسة الاقتصادية العامة والتي تستخدمها لمحاصرة التضخم وحماية العملة الوطنية من التدهور، ولتحقيق التوسع الاقتصادي القائم على أساس تمويل الأنشطة الإنتاجية المختلفة حتى تسيطر الدولة على التوازن بين سعر النقد وسعر السلع .
و قد بدأ الاهتمام بدور السياسة النقدية في تحقيق النمو الاقتصادي و ذلك بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كان الاهتمام قبل ذلك على هدف تحقيق العمالة الكاملة، و دور السياسة النقدية هو تحقيق معدل مرتفع للادخار و التأثير على معدل الاستثمار من خلال التوسع الائتماني، حتى يمكنها الوصول إلى مرحلة الانطلاق التي تضع اقتصادياتها على طريق النمو الذاتي السريع. و يمكن استخدام السياسة النقدية في رفع مستوى النمو الاقتصادي عن طريق تخفيض معدلات الفائدة مما يشجع المستثمرين على زيادة استثماراتهم و بالتالي توظيف عمالة أكثر و زيادة الدخول في النهاية ، أي رفع مستوى المعيشة و النمو.
وهدف السياسة النقدية هو تحقيق نمو حقيقي بعيدا عن التضخم و توازن في المدفوعات الخارجية و توزيع لموارد المجتمع. و أسس السياسة النقدية تختلف من دولة إلى أخرى وذلك حسب مستويات التقدم والتطور في النظم الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المختلفة. فمثلا في الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة تتركز هذه السياسات بالدرجة الأولى في المحافظة على التشغيل الكامل للاقتصاد من أجل الاستقرار النقدي الداخلي وذلك لمواجهة التقلبات الاقتصادية المختلفة، وتنتهج هذه الدول بعض السياسات النقدية الكمية كالسوق المفتوح أو تعديل سعر الفائدة أو تغيير نسبة الاحتياطي لدى البنوك ، إلا أن السياسة النقدية لا تعد كافية، في تحقيق جميع الأهداف .
والسياسة النقدية تمارس آثارها التمويلية بطريق مباشر أو غير مباشرفي البلدان المتقدمة إلا أنها لا تلعب نفس الدور في النواحي التمويلية والاستثمارية في الدول المتخلفة نظراً لتخلف الجهاز المصرفي وتخلف الوعي المصرفي لدى الأفراد وعدم وجود سوق للنقد بالمعنى الصحيح ولكن مع ذلك فإن تأثيرها يبدو ناتج عن قيام الحكومات بتمويل الكثير من مشروعاتها عن طريق عجز الموازنة وزيادة الإصدار النقدي أي أن كمية النقود تلعب دوراً هاما في تلك الناحية.
أن انخفاض أسعار الصرف تعمل على تحسين ميزان المدفوعات ،كما أن استقرار سعر الصرف يشكل ضمانا باستقرار البلاد اتجاه الخارج. ولهذا تعمل بعض الدول على ربط عملتها بعملات قوية قابلة للتحويل والحرص على استقرار صرف عملتها مقابل تلك العملات، مما يؤدي إلى عدم القدرة على السيطرة والتحكم في هذا الهدف، مما يدفع السلطات النقدية إلى التدخل في التأثير على سعر الصرف واستعمال ما لديها من احتياطات محاولة منها المحافظة على قيمة عملتها اتجاه العملات التي ترتبط بها، دون ضمان النجاح وهذه تكلفة مقابل اختيار هدف استقرار سعر الصرف.
تتحدد فعالية الأسهم الحكومية في إحداث التغيرات المطلوبة بمدى ربحية مشروعات الحكومة التي تتداول أسهمها في السوق، وفي الحقيقة فإن أرباح الحكومة التي تجنيها من مشاريعها الخاصة تعتبر ضخمة جدا، نظرا للتنوع في تلك الاستثمارات، فهي لا تستثمر في مشروع واحد ولا في نشاط واحد، كما أن مشروعات الدولة تتميز بكفاءة التسيير نظرا لحيازتها على أكفأ الإطارات المسيرة، وهذا ما يجعل متوسط ربح السهم الحكومي مقاربا لمتوسط ربح الاقتصاد الوطني أي أن احتمال الخسارة من وراء امتلاك سهم حكومي ضعيف جدا، و لهذا يكون الطلب على أسهم الحكومة أكبر من الطلب على أسهم القطاع الخاص، وهذا ما يجعل استخدام هذه الأسهم كأداة لمراقبة المعروض النقدي.
دور السياسة النقدية في تقليل العجز في ميزان المدفوعات يبرز من خلال قيام البنوك المركزية باستخدام أداة من أدوات السياسة النقدية وهي رفع سعر الخصم، لأنه سيجعل البنوك التجارية ترفع من أسعار الفائدة وإذا ارتفعت فإن الإقبال على الائتمان أو طلبه سينخفض، وهو ما سيجعل الأسعار تميل إلى الانخفاض أيضا، لأن الطلب قد قل على السلع المعروضة، وإذا انخفضت الأسعار محليا فإن هذا الإجراء سيؤدي إلى تشجيع الصادرات، وإلى تخفيض الطلب على السلع الخارجية طالما أن الأسعار المحلية منخفضة، وكما أن ارتفاع أسعار الفائدة محليا سيغري الأفراد الأجانب إلى توظيف أموالهم بالبنوك الوطنية، وبالتالي تدفق أموال أجنبية إلى داخل الدولة، وهذا ما يساهم في تخفيض العجز في ميزان المدفوعات، ومع انخفاض الأسعار المحلية ينخفض معدل التضخم وهو ما يجعل السلع المحلية أكثر قدرة على منافسة السلع الأجنبية، كما أنه يشجع زيادة الصادرات، ويخفض العجز في ميزان المدفوعات .
وذلك ما حدث في أعقاب انتخابات عام 1980 في الولايات المتحدة عندما كان الاهتمام بمعدل التضخم المرتفع، وارتفعت قيمة الدولار بالنسبة للعملات الرئيسية خلال العام نفسه . السياسة النقدية تتضمن الأهداف المتسلسلة والتي تبدأ بالأهداف الأولية مثل هدف القاعدة النقدية، وأسعار الفائدة والاحتياطات الحرة، وهناك أهداف وسيطة تربط بين الأهداف الأولية والنهائية مثل أسعار الفائدة المتوسطة والطويلة الأجل والمجاميع النقدية كلها، الائتمان الكلي، والناتج الوطني الإجمالي، وسعر الصرف الاسمي.
إن الأهداف النهائية التي ترسم في ظل السياسة الاقتصادية العامة هي ، تحقيق الاستقرار للمستوى العام للأسعار والعمالة الكاملة، وتحقيق معدل عال من النمو وتوازن ميزان المدفوعات.
معدل الصرف النقدي يعطي مؤشرا هاما حول الأوضاع الاقتصادية لاي دولة ، وينبغي المحافظة على معدل صرف مقبول حتى يكون قريبا من مستواه لتعادل القدرات الشرائية، ويمكن أن تكون السياسة النقدية مساهمة في التوازن الاقتصادي عبر تدخلها من اجل رفع معدل صرف النقد تجاه العملات الأخرى، وقد يكون محاربا للتضخم وهو ما يحقق الهدف النهائي للسياسة النقدية، وعندما يتخذ معدل الصرف كهدف وسيط فإنه يظهر العديد من العيوب، لأن أسواق الصرف ليست منتظمة فهي تتعرض لتقلبات، ومعدل الصرف يلعب دورا مهما في معرفة الاستراتيجية الاقتصادية والمالية لاي حكومة.
صوت العراق