جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2020/10/03
يتحدث الأستاذ أحمد سعيد شماخ -عضو مجلس الشورى-رئيس مؤسسة الإعلام المالي والاقتصادي للدراسات- ل"المصارف" عن جملة من التحديات المفروضة على الاقتصاد الوطني بما في ذلك القطاع المصرفي.
تمكنت البنوك اليمنية من الحفاظ على صمودها خلال العقد الثاني من الألفية الجديدة، التي تزامنت مع ما يسمى بثورات الربيع العربي والحرب والحصار على اليمن، واستطاع خلال هذه الفترة المؤلمة أن تساهم في دعم الاقتصاد الوطني، وتمويل جزء كبير من الانفاق الجاري للحكومة، وتغطية نسبة عالية من العجز العام في موازنة الدولة".
ويضيف شماخ: "تعيش المصارف اليمنية اليوم مرحلة تعزيز مراكزها المالية وتحسين أدائها والتغلب على ما أفسده الدهر والحرب من زيادة في المخاطر وشحة في السيولة النقدية، التي تحملت البنوك تكلفة عالية في سبيل توفيرها، وقد ساعدها ذلك على الاستمرار في نشاطها، والحفاظ على قاعدة عملائها، ومواكبة التطورات والمتغيرات الاقتصادية محلياً وعربياً ودولياً.
ودون أدنى شك أن مضاعفات الحرب في اليمن قد أثرت على علاقات البنوك اليمنية مع المصارف العالمية، وقطعت عليها سبل الاستفادة من مصادر الدعم التكنولوجي والتأهيلي، التي كانت تحصل عليه من البنوك العالمية المراسلة لها، ويعتبر مصدرا مهما لترقية الكفاءات العاملة بها وتزويدهم بالمعرفة المطلوبة لتعزيز قدراتهم المهنية وتحسين أدائهم. وهذا الأمر يحتم على المصارف اليمنية تكثيف البرامج التأهيلية لموظفيها خلال هذه الفترة، كي يتمكنون من تطوير المنتجات المصرفية وتحسين الخدمة وتحديث وسائل العمل فيها. كما أن المصارف ومؤسسات الاقتصاد اليمني بشكل عام بحاجة ماسة إلى اجتذاب الطاقات المبدعة، حتى تتمكن من لعب دوراً مهما في مسيرة الإنعاش والنهوض الاقتصادي، ويصبح كادرها مؤهلاً و قادراً على تحمل مسؤوليته في إعادة البناء والاعمار ومواجهة التحديات المستقبلية، الداخلية والخارجية بكل اقتدار".
ونصيحتي عبر مجلتكم مجلة المصارف أن تبادر المصارف بتقييم أوضاعها الداخلية وتشخيص مواقع الضعف في أدائها، وتحديد المعوقات وإزالة أسبابها، وأن تعزز الشفافية ومبادئ الحوكمة في عملها، وفي علاقتها بكل الجهات المعنية بنشاطها والأطراف ذات العلاقة.
القطاع المصرفي وتحديات التمويل
وعن التحديات، التي تقف أمام دور القطاع المصرفي في التمويل يقول الخبير الاقتصادي والمالي أحمد شماخ: "صحيح أن القطاع المصرفي قد واجه الكثير من الصعوبات والتحديات خلال السنوات الأخيرة، ومع ذلك فقد تمكن من الاستمرار في تقديم خدماته لمؤسسات النشاط الاقتصادي وأفراد الجمهور في مختلف أرجاء البلاد، إضافة إلى مساهمته في توفير التمويل المطلوب لعجز الموازنة العامة. ويتوجب على مؤسسات القطاع المصرفي أن توجه جزءا أكبر من مواردها لدعم مبادرات القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار المنتج.
ويتابع: "دون شك أن الحرب والمضاعفات التي نتجت عنها قد ساهمت إلى حد كبير في تزايد الإنفاق العام وارتفاع العجز في الموازنة العامة، وإلى أزمة خانقة في السيولة النقدية؛ مما أدى إلى تدهور سعر صرف العملة المحلية، وارتفاع نسبة التضخم في الأسعار إلى مستويات عالية وغير مسبوقة، أضرت بالقدرة الشرائية للمواطن، وفاقمت من معاناته.
وقد كان لتلك التطورات أبلغ الأثر في تراجع حركة النشاط الاقتصادي في البلاد، وتقييد المبادرة الفردية للقطاع الخاص، وعلى نشاط البنوك والمؤسسات المالية التي اضطرت إلى تقليص أنشطتها والحد من التمويلات التي تمنحها لمؤسسات النشاط الاقتصادي بسبب المخاطر المتزايدة، التي واجهتها وأضرت بمراكزها، وعرضت أصولها والعاملين بها إلى شتى أنواع المخاطر.
والبنوك اليمنية خلال هذه الفترة معنية برفع مستوى التعاون فيما بينها، وتعزيز تضامنها وتلاحمها، لمواجهة تحديات المرحلة وكسر محاولات الضغط والهيمنة الخارجية على القطاع المصرفي وعلى اليمن بشكل عام، ولتكن كل خطوات وتحركات القطاع المصرفي متسارعة لتعزيز سبل التعاون والتكامل بين مؤسساته، بما يدعم قدراته ويعزز الثقة بمراكزه المالية وسلامة أصوله.
أولويات الانفاق العام
وعن رأيه في الوضع المالي يؤكد عضو مجلس الشورى الأستاذ أحمد شماخ أن من الأهمية خلال هذه المرحلة والمراحل القادمة أن تتحول أولويات الانفاق العام إلى القطاعات المنتجة ذات العوائد الاقتصادية المرتفعة والتي من المؤمل ان تعود على البلاد بمردود إيجابي يساعد على خلق المزيد من فرص العمل، ورفع مستوى دخل المواطن وتحقيق الاكتفاء الذاتي في المتطلبات المعيشية الأساسية للمواطن. سواء من خلال تشجيع المنافسة بين مؤسسات القطاع الخاص والعام، وتوفير التمويل اللازم لأنشطتها خلال هذه المرحلة الصعبة تحديداً، التي واجهت خلالها الكثير من المعوقات، وفقدت الكثير من مصادر التمويل الخارجي. غير أن ذلك يحتاج إلى سرعة بسط الأمن والاستقرار وتعزيز سلطة القانون، فرض هيبة الدولة في كل مكان، وكي تتمكن الدولة من توفير الموارد المالية اللازمة لتسيير نشاط مؤسساتها وتقليص العجز في موازنتها، يتوجب عليها أن تعمل على حماية المنشآت الاقتصادية وتوسيع القاعدة الضريبية وضبط التهريب والتهرب وإيجاد طرق جديدة للتحصيل الضريبي وتحقيق الاستقرار في الأسعار.
ويقول: "أجزم بالقول إن أحد أهم الأسباب الرئيسية التي تقف وراء عجز ميزانية الدولة هو سوء الإدارة لموارد البلاد الرئيسية، وزيادة الانفاق الحكومي غير المجدي دون إدراك أو مراعاة للحدود القصوى التي يمكن أن توفرها مصادر التمويل المتاحة لها.
دور البنوك اليمنية خلال هذه المرحلة
وعن دور البنوك اليمنية خلال المرحلة الراهنة يؤكد شماخ أنه من الصعب طرح أي تصور موضوعي واضح لدور البنوك اليمنية خلال هذه المرحلة بمعزل عن القطاعات الاقتصادية الأخرى، بل وعن الحالة السياسية والاجتماعية في البلد والتحركات الدولية. ويضيف: "دور البنوك من وجهة نظري لا بد أن يتكامل ويترافق مع دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقانوني، ويجب أن تكون قضية البناء والإعمار عنواناً رئيسياً لاستراتيجياتها القادمة، بحيث تخطو خطوات جريئة لتعزيز الأمن الاقتصادي، وبالذات في جانب الأمن الغذائي وتوفير بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار. وليس من المستغرب أن تقوم المصارف اليمنية من بدور محوري في دعم الصمود ومواجهة التحديات القائمة، فهناك عجز مالي كبير في الموارد المتاحة للبلاد اتسع حجمه وتفاقم تأثيره منذ أن أعلنت حالة الحرب والحصار على البلاد في العام 2015، ولم يكن هنالك من حل متاح، سوى قيام البنوك بتمويل الجزء الأكبر من العجز في موازنة الحكومة، وقد بلغت القروض المقدمة من البنوك العاملة في اليمن للحكومة حوالي 1,8 ترليون ريال في نهاية العام 2019.
الوضع المالي لليمن
ويقول الأستاذ أحمد سعيد شماخ عن الوضع المالي لليمن: "أجزم وأقول إن الوضع القائم يندرج تحت ما يسمى بالعملية العرجاء غير المتوازنة والمتمثلة في استئثار قطاع العقارات بنصيب الأسد من الاستثمارات والتوظيفات المالية، وأخشى أن يستمر هذا النوع من الاختلال في نشاط الاستثمار، ويتم ذلك على حساب التوظيفات في القطاعات المنتجة ونشاط الخدمات الرئيسية ذات المنشأ والخامات الوطنية، وخصوصاً منها السلع التي تتميز بالتنافسية، ونود الإشارة إلى أن تركيز الاستثمارات في القطاعات غير المنتجة قد نتجت عنه ارتفاعات سعرية جنونية غير مبررة، في الأراضي والعقارات وعادت بنتائج سلبية على الحكة الاقتصادية وعلى التنمية، كما تسببت بكثير من المضاعفات على مستوى معيشة المواطن البسيط، وهذا الخلل يستدعي التصويب بإيجاد عدد كافٍ من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوجيه الدعم والمساندة لهذه المشاريع.
جاءت الرؤية الوطنية ملبية لآمال وتطلعات اليمنيين بالسعي إلى تحقيق قدرة اليمن لإعادة إنتاج ذاته.
وأجدها مناسبة عبر مجلتكم الموقرة لأقترح وأقول إنه لا بد من التخلي عن سياسات أسعار الفائدة المرتفعة، لأنه لا يمكن لأي بلد أن يتطور فيه القطاع الصناعي والزراعي ويتكاملا من دون دعم المشاريع الصغيرة بقروض ميسرة.
ويطالب الخبير المالي والاقتصادي -أحمد شماخ باستعادة الثقة التي كانت قائمة بين مختلف الفعاليات الاقتصادية في البلد، ويؤكد الأهمية القصوى لإيجاد بيئة حاضنة وجاذبة تساعد على إعادة رؤوس الأموال التي هربت إلى خارج الحدود ولم تعد، وإعادة رؤوس الأموال التي تدور خارج الدورة الاقتصادية في السوق الموازية "السوق السوداء"، وتساعد على تشجيع تسهيل عملية اجتذاب ودائع اليمنيين المقيمين في الخارج وتوظيفها في قطاعات منتجة. ويدعو الخبير شماخ، إلى إعادة صياغة السياسات الاقتصادية والتنموية بما يتناسب مع المرحلة الحالية والأولويات الاقتصادية الملحة.. ابتداءً من تفعيل دور القطاع الخاص ودعمه وتشجيعه ليكون شريكاً حقيقياً في التنمية والاستثمار، وأيضاً إلى إعادة ترتيب وتفعيل القطاعات الاقتصادية وخطوط الإنتاج العامة والخاصة، وإلى إعادة تأهيل شبكة الطاقة الكهربائية وتوفير المشتقات النفطية المحركة للآلة الصناعية وبالأسعار المناسبة، حتى تستطيع المنتجات الوطنية المنافسة في السوق، حيث سيؤدي ذلك بالطبع إلى تصويب المسار وتصحيح الاختلالات القائمة بقدر الإمكان، وإلى استقرار سعر العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية الأخرى، سينعكس ذلك إيجابيا على استقرار أسعار السلع والخدمات وتحسين دخل المواطنين".
اقتصاد الحرب
يقول الأستاذ أحمد شماخ: "نحن في اليمن في ظل اقتصاد الحرب نسعى إلى التقليل من الواردات الخارجية، والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي والسياسي، فخلال هذه الفترة من الحرب الحصار على بلادنا هناك رغبة صادقة من القيادة السياسية والحكومة اليمنية في تحقيق الاستقلال وصولاً إلى تحسين الوضع المعيشي للمواطنين وإلى التنمية المستدامة التي ستعمل على تحسين الاقتصاد والعملة الوطنية".
يجب تفعيل دور القطاع الخاص ليكون شريكاً حقيقياً في التنمية والاستثمار.
ويضيف: "في ظل المآسي وويلات الحرب التي خلفت لنا الكثير من التشرذم السياسي وهشاشة في الاقتصاد وانعدام الثقة بالقطاع المصرفي والبنوك، بسبب الضغوط والحصار وادراج السياسات النقدية والعملة الوطنية ضمن خطط وبرامج الحرب على اليمن، والذي يمثل التحدي الأكبر لليمن واليمنيين، فقد أدركنا المخاطر كل في مجاله، خصوصاً في الجانب الاقتصادي والمالي، لذلك جاءت الرؤية الوطنية ملبية لآمال وتطلعات اليمنيين بالسعي إلى تحقيق قدرة اليمن لإعادة إنتاج ذاته من خلال الترجمة العملية للرؤية الوطنية ".
المصدر- مجلة المصارف العدد (11) أغسطس 2020م