جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2021/04/14
إذا كان النشاط الاقتصادي هو المحرك الأساسي للحياة في البلاد، فالقطاع المالي هو الشريان الذي يغذي ذلك النشاطبالوقود اللازم لاستمرارية دوران ذلك المحرك، ويمثل القطاع المصرفي صلب القطاع المالي، وأهم اللاعبين فيه. فهو من يضطلع بمهام حشد المدخرات وتوجيهها لتمويل النشاط الاقتصادي والاستثمارات المنتجة في البلاد، وفقا لآلية تضمن التوزيع العادل والكفؤ للموارد، والحد من مخاطر التمويل، وخفض تكاليف الاستثمار وتعظيم العائد المحقق منها. كما يقوم القطاع بتقديم العديد من الخدمات المالية الأخرى للقطاع التجاري ولجمهور المواطنين بما يسهل حركة التعامل التجاري ويساعد على رفع وتيرتها واتساع أنشطتها وتنوعها،وهو بذلك يساعد على دفع عجلة الحركة الاقتصادية إلى الأمام بما يساعد على تحسين الظروف المعيشية للمواطن وتحقيق النمو المنشود.
وفي هذه المرحلة العصيبة من تاريخ البلاد يقف القطاع المصرفي صامدا في مواجهة التحديات والمخاطر الجمة التي أفرزتهاالحرب وأصبحت مصدر تهديد لمؤسساته ولاستمرارية نشاطه,وتعمل المؤسسات المصرفية والعاملين بها في إطار رؤية واضحة تنطلق من إيمانهم بأهميةتعزيز الصمود الاقتصادي وتحقيق الاستقرار المعيشي للمواطن، واضعين هذه القضية علىرأس أولويات عملهم، ولا تدخر هذه المؤسسات والعاملين فيها جهدا أو وموردا ماليا أو بشريا في سبيل تحقيق ذلك الهدف وضمان استمرارية تدفق السلع والخدمات الأساسية إلى الأسواق اليمنية, بما يساعد على تحقيق الاستقرار المعيشي للمواطنين وتخفيف معاناتهم. وتنظر قيادات المصارف والعاملين بها إلى تلك المهمة باعتبارها واجبا وطنياوإخلافيايجسد شعور الانتماء للوطن، ويفرض واجب الوفاء له في ظل الظروف القاسية الي يمر بها في هذه المرحلة،
ولتمكين هذا القطاع الهام من الاضطلاع بدوره الحيوي في دعم الاقتصاد الوطني، وتخفيف المعاناة عن المواطنين خلال هذه المرحلة الاستثنائية، يتوجب على كل أطراف العمل السياسي أن تدرك أهمية الدور الذي يؤديه القطاع المصرفي في خدمة المصالح الاقتصادية العليا للبلاد التي تننتمي إليها كل الأطراف، وأن على جميع هذه الأطراف أن تلتزم بضمان الاستقلالية والحيادية لمؤسسات القطاع، وأن تتجنب ممارسة الضغوط عليه أوإقحامه في أتون صراعاتها.
كما يتوجب على السلطات النقدبة المعنية بالإشراف على نشاط القطاع أن تدرك الواقع الصعب الذي يعمل القطاع في إطاره، والمصاعب التي واجهها خلال الفترة الماضية ولا زالت قائمة اليوم، إضافة إلى الخسائر المالية والأعباء المالية والإدارية الإضافية التي ألقيت على كاهله ولا زال ينوء بها حتى اليوم، وهو ما يملي على السلطة النقدية المبادرة بمد يد العون والمساندة لمؤسسات القطاع، وبتقديم الحلول والمعالجات المناسبة للمصاعب التي تواجهها، وتخفيف القيود المفروضة على أنشطتها، وتجنُب وضع المزيد من العوائق والعراقيل في طريقها.
ومن المهم أن تدرك السلطات النقدية أهمية الحفاظ على حيادية القطاع واستقلاليته، وأن تمارس سلطتها الإشراقية على مؤسساته في إطار من الإدراك الكامل لمعطيات الواقع القائم فعلا، وأن تكف عن حشر القطاع في الخلافات القائمة بين هيئاتها،أو تكليف مؤسسات القطاعبما لا طاقة لها به. وهي، السلطات النقدية، ملزمة بالعمل على التوصل إلى آلية مناسبة وواقعية تساعد هيئاتها على تجاوز مضاعفات الانقسام الواقع في إطار هذه الهيئات، وتضمن مستوى مناسب من التنسيق فيما بينها في كل ما يتعلق بأمور السياسة النقدية ونطاق الإشراف على مؤسسات القطاع المصرفي.
ولا بد من الإشارة إلى أن مقتضيات العمل الإشرافي على قطاع مهم كقطاع المصارف، لا تقتصر على فرض الغراماتوإصدار التعميمات وتوجيه التهديدات لمؤسسات القطاع، بل أن مهمة الإشراف تقتضي أن تعمل تلك السلطات على بناء الثقة وتوثيق العلاقة مع مؤسسات القطاع الذي تتولى الاشراف على نشاطه، وتتفهم الظروف والمصاعب المحيطة ببيئة عمل تلك المؤسسات، وتعمل على وضع المعالجات وتقديم الحلول الكفيلة بالحد من الصعوبات وإزالة العراقيل التي تعترض نشاطها، وأن تتعامل معها بمهنية صرفة، تستند إلىإدراك واع منقيادات السلطة النقدية وكل ذوي العلاقة، بأن مؤسسات القطاعالمالي والمصرفي تضطلع بمهام تقدم الخدمات الحيوية اللازمة لاستمرار حركة النشاط الاقتصادي وتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين في شتى أرجاء البلاد دون تمييز أو مفاضلة، وتلك المؤسسات بحاجة إلى حلول ومعالجات أكثر من حاجتها إلى التهديدات والانذارات، ولن تستطيع القيام بالدور المأمول منها في خدمة الاقتصاد الوطني، دون مساندة أو دعم من السلطة المعنية بالإشراف عليها، بما يمكنها من العمل بمهنية في إطار بيئة عمل مواتية، بعيدا عن الضغوط ومؤثرات التجاذب السياسي.
مجلة المصارف العدد 12 اكتوبر 2020