جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2025/07/23
عبدالحكيم الفقيه *
- التسويق الحديث ليس مسؤولية البنوك وحدها، بل جزء من بناء بيئة مالية صحية، ومجتمع أكثر وعيًا وارتباطًا بالتحوّل الرقمي
قبل أيام، ألحّ عليّ أحد الأصدقاء الأعزاء أن أكتب حول موضوع التسويق البنكي في ظل المتغيرات الرقمية والاجتماعية، لا لشيء إلا لأني جزء من هذا المجتمع، وأعايش تحدياته وفرصه من الداخل ، وقد وجدت أن هذا الإلحاح لم يكن مجرد طلب عابر، بل هو دعوة صادقة للتفكير بصوتٍ عالٍ في مستقبل التسويق المصرفي في اليمن… في ظل عالم لم يعد فيه التسويق ترفًا، بل ضرورة استراتيجية، ولا وسائله مجرد أدوات، بل محاور رئيسية في بناء الثقة والولاء والهوية المؤسسية.
ما أود أن أؤكد عليه أن البيئة المصرفية تتغيّر بوتيرة غير مسبوقة، ولم تعد البنوك تملك رفاهية الاكتفاء بالأساليب التسويقية التقليدية. لقد دخلنا عصر Digital-first Banking Marketing – حيث تُبنى العلاقات مع العملاء، وتُصاغ الثقة، ويتم التأثير، عبر الشاشات قبل الفروع، وعبر الهواتف الذكية أكثر من مكاتب خدمة العملاء.
وفي اليمن، ورغم التحديات الفريدة، تلوح في الأفق فرص تسويقية هائلة لمن يحسن قراءة المتغيرات، لا سيما في ظل تصاعد دور Social Media Platforms في التأثير على سلوك العملاء وقراراتهم المصرفية.
من الرسالة إلى التجربة ( التسويق لم يعد إعلانًا)
المعادلة تغيّرت.
في الماضي، كان الهدف من التسويق إيصال رسالة محددة إلى الجمهور عبر قناة تقليدية: إعلان مطبوع، إعلان إذاعي، أو لوحة في الشارع.
أما اليوم، فالمطلوب هو خلق Customer Journey رقمية متكاملة، يكون فيها العميل في قلب الحدث، لا على هامشه.
العميل لم يعُد يستجيب لـ "إعلان"، بل يتفاعل مع Experience، ويمنح ولاءه للمصرف الذي يفهمه، لا للمصرف الذي يروّج له فقط.
تحديات السوق اليمني تساوي فرص تسويق ذكية
السوق اليمني يحمل خصوصية مركّبة. فهو غير مستقر اقتصاديًا، ضعيف رقميًا نسبيًا، ومتفاوت في درجة الوعي المالي لكن في التسويق، كما في الاقتصاد، فإن كل أزمة تخلق فرصة.
واليوم، الفرصة تكمن في أن تُصبح البنوك صوتًا موثوقًا، يقدم Financial Education بأسلوب بسيط وجذّاب، ويوفر خدمات رقمية فعالة تلبي الاحتياج الحقيقي للمجتمع، لا فقط أهداف البنك الداخلية.
بنك سبأ الإسلامي: دراسة حالة مصغّرة
وسط هذه المعادلة الصعبة، برز بنك سبأ الإسلامي كنموذج محلي ناجح في التفاعل مع هذا التحوّل بتبنّيه مزيجًا من Content-driven Marketing وCustomer-centric Communication استطاع البنك أن:
يعيد تعريف حضوره الرقمي، من خلال محتوى يومي يعكس القيم الإسلامية بلغة معاصرة وبأسلوب بصري حديث.
يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي كمنصّة خدمة عملاء، لا مجرد نافذة إعلانية، وهو ما عزز ثقة العملاء في استجابته وشفافيته.
يربط بين الرقمنة والتوعية، من خلال فيديوهات ومبادرات تعريفية بالخدمات المصرفية الإسلامية، بلغة مفهومة لغير المتخصصين.
الرسالة الضمنية التي يرسلها البنك:
> "نحن نعرفك، ونتحدث لغتك، ونريد أن نكون جزءًا من حياتك المصرفية اليومية، لا مجرد جهة احتفاظ بأموالك."
التسويق المصرفي في اليمن: لحظة الحسم
اليوم، على كل بنك في اليمن أن يُعيد التفكير في 3 مفاهيم جوهرية:
من نُخاطب؟
هل نحن نخاطب أرقام الحسابات؟ أم بشرًا لهم أولويات وظروف وتطلعات مختلفة؟
كيف نُخاطبهم؟
عبر محتوى سردي (Storytelling)، عبر حلول واقعية، عبر أدوات سريعة وذكية مثل الـ Chatbots وInteractive Posts.
متى نُخاطبهم؟
لا في نهاية كل شهر فقط، بل كل يوم، بلحظة الحاجة، بلحظة القرار، عبر القنوات التي يستخدمونها بالفعل.
الخلاصة: من الإعلان إلى التأثير
المستقبل لا ينتظر.
والبنك الذي يُدرك أن Marketing is no longer about products, but about people and purpose – هو من سيكون حاضرًا في قلب السوق، وفي قلب العميل أيضًا. إنه زمن المصرف المتفاعل (Responsive Bank)، لا الصامت. زمن المحتوى القيمي (Value-driven Content)، لا الإعلانات المكررة.
وبينما تتعثر بعض المؤسسات في فهم لغة العصر، فإن بنوكًا مثل بنك سبأ الإسلامي تقدّم نموذجًا واقعيًا يُثبت أن حتى في السوق اليمني – بكل ما يحمله من تعقيدات – يمكن للتسويق الذكي أن يصنع فرقًا حقيقيا ونسعى نحو مجتمع رقمي فعّال كما إن التسويق الحديث ليس مسؤولية البنوك وحدها، بل هو جزء من بناء بيئة مالية صحية، ومجتمع أكثر وعيًا وارتباطًا بالتحوّل الرقمي. وحين يتقاطع التمكين المالي مع التمكين الرقمي، نصبح أمام فرصة فريدة لخلق جيل يفهم خياراته المصرفية، ويدير أمواله بذكاء، ويشارك في اقتصاد بلاده بفعالية.
ولذلك، فإننا ندعو إلى بناء ثقافة مصرفية رقمية شاملة، تبدأ من المؤسسات، وتمتد إلى كل بيت وكل هاتف ذكي.
فلنكن جميعًا جزءًا من هذا التحوّل… بنكًا… وعميلًا… ومجتمعًا. ولنصنع معًا يمنًا مصرفيًا رقميًا… واعيًا، متصلًا، وفعّالًا.
*مدير التسويق - بنك سبأ الإسلامي